إليكم هذه القائمة من الأعوام: 1914، 1939، 1946، 1951، 1972، 2024. ما الأمر المشترك بينها؟ في كل عام من هذه الأعوام شعر شخص ما بالذعر علناً من أن ارتفاع أسعار النفط يدفع الاقتصاد العالمي الى كابوس طويل الأجل من الركود المصحوب بالتضخم والصراع على الطاقة.
في كثير من هذه الأعوام، كان التركيز في معظمه ينصب على جانب العرض. فشركات النفط الكبيرة لا تعمل على احلال احتياطيات جديدة محل ما يتم إنتاجه. ولم يتم اكتشاف أي «مناطق نفط» جديدة مثل نورث سلوب في ألاسكا أو خليج المكسيك أو بحر الشمال. ولم يعد لدى السعودية نفط بالقدر الذي نعتقد. فكثير من الأسباب التي تعرض التراجع الحالي في سعر النفط وتفسره تدور حول زيادة الانتاج الأميركي.
بيد أن الجزء المتعلق بجانب الطلب من المعادلة هو المثير للاهتمام فعلاً. ويعتبر تباطؤ النمو العالمي جزءاً من هذا الأمر. ومن الواضح أن النمو يتباطأ في الصين: أسعار المواد الكيماوية، التي تكون عادة مؤشراً جيداً على اتجاهات النمو العالمي، تظهر لنا صورة «سلبية بشكل لا لبس فيه»، وفق مؤسسة فاريانت بيرسيبشن. كما أن أوروبا التي تشكل سدس الناتج الاجمالي المحلي العالمي تقترب من الركود المصحوب بالتضخم، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية لا تتمتع بالزخم الكافي.
واذا لم يكن هذا كافياً بالنسبة إليك لتشعر بالقلق، فقد ترغب في اطلاق العنان لعقلك باتجاه التركيبة السكانية في العالم لدقيقة واحدة فقط (فمن المخيف جداً البقاء مع هذا الأمر لفترة طويلة): اذا استمرت النساء في العالم في تصميمهن على رفض تكريس أكثر من 4 سنوات متتالية من حياتهن لتغيير الحفاضات، من الصعب عندها معرفة من أين سيأتي مستهلكو النفط المسرفون في المستقبل.
حتى هذا الأمر لا يعتبر المفتاح الحقيقي للتفكير بشأن مستقبل أسعار النفط. ولتكوين فكرة عما هو، لنر ما اذا يمكنك الحصول على رسم بياني لمجموعة من السلع يغطي المدى البعيد جداً. أنا لدي واحد يظهر حركة الأسعار منذ 1934. ولا أظن أنك تعتقد أن الرسم البياني يظهر ارتفاع الأسعار بشكل مطرد. فبعد كل شيء، فكرة ندرة الموارد وشحها أساسية لعلم الاقتصاد. العرض محدود، ولهذا ينبغي أن تزيد تكلفة المواد المستخدمة لتحفيز النمو مع نمو السكان والاقتصادات.
يبدو الأمر منطقياً، لكنه خاطئ تماماً. فعند تعديل الأرقام بحسب التضخم، سنجد أنها في الواقع انخفضت بشكل مطرد نسبياً. هناك علامة ارتفاع حاد في الفترة من 2000 – 2024 (الصين) وأخرى في فترة أربعينات القرن الماضي (الحرب) وأخرى في سبعينات القرن الماضي (الاندفاع نحو الأصول الحقيقية مع وصول التضخم الى معدلات جنونية) لكن هذا هو كل ما في الأمر.
ابتكارات بديلة
قبل خمس سنوات، عندما تراجعت أسعار النفط من 140 دولاراً الى 40 دولاراً للبرميل في غضون بضعة أشهر قليلة فقط، دخلت شركات النفط في وضع صعب للغاية، ولم يكن المديرون التنفيذيون قادرين على تمويل عمليات التطوير، كما حال نقص السيولة النقدية دون أن يتمكن المشترون الذين يتسمون بالحذر في الصناعة من شراء الأصول بأسعار منخفضة جداً.
ما الذي يجرى هنا؟ عندما تشح السلع ويندر وجودها، نبحث عن سبل لإنتاج المزيد منها، أو نستخدمها باعتدال أكثر أو نستبدلها. قائمة السنوات تلك جاءت من كتاب بعنوان «أصغر، أسرع، أخف وزناً، أكثر كثافة، أرخص: كيف يثبت الابتكار باستمرار أن علماء الكوارث على خطأ» للمؤلف روبرت برايس. لا توجد أي مشكلة، تقريباً، لا تستطيع رأسمالية ريادة الأعمال أن تحلها، وكذلك الحال بالنسبة إلى النفط.
فلنلق نظرة قليلا على «أكثر اعتدالاً». معظم المصنعين يجدون وسائل لتعظيم كفاءة استهلاك الوقود للسيارات التي يصنعونها (متوسط استهلاك السيارة الجديدة التي تباع في أوروبا من الوقود يزيد بنسبة %31 عما تدعيه الشركة المصنعة، وفقاً لشركة سبيريت مونيتور). لكن مع ذلك، هناك شيء مدهش يحدث. شركة ادارة الصناديق روبيكو سام، تستخدم سيارة فورد F-150 ، وهي السيارة الأفضل مبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية، كمثال.
أحدث موديل تم انتاجه من هذه السيارة أخف وزناً بمقدار 300 رطل من الموديل السابق، ويستخدم محركها حديد الغرافيت والألمنيوم لتخفيف الوزن، في حين يستخدم في الاطار الفولاذ الذي يتسم بقوة كبيرة ويعتبر أخف وزناً وأكثر صلابة من الفولاذ العادي. أما الجسم فمصنوع من سبائك الألمنيوم. وهو ما يجعل السيارة «أخف وزناً وأكثر قوة ومقاومة للانبعاجات». والنتيجة هي تحسن بنسبة %30 في كفاءة استهلاك الوقود.
استخدام فورد لكل هذه المواد في سيارة عادية يعتبر انجازاً وتقدماً مهماً، لكن استخدام المواد خفيفة الوزن في جميع أنواع المكونات (تصور الفرامل مصنوعة من الألمنيوم بدلاً من الحديد المصبوب) آخذ في الزيادة في جميع أنحاء الصناعة.
حتى شركات صناعة السيارات الفاخرة مثل بي ام دبليو بدأت في استخدام ألياف الكربون في السيارات التي بإمكان قراء «فايننشال تايمز» شراءها اليوم، مثل سيارة BMW i3 الكهربائية. وبحسب شركة روبيكواس ايه ام، ستتضاعف نسبة المواد الخفيفة الوزن المستخدمة في قطاع السيارات بحلول عام 2030. وهو ما يعني كفاءة أكبر في استهلاك الوقود. شيء مشابه يحدث في صناعة الطيران، حيث تعمل زيادة استخدام ألياف الكربون في المحركات على خفض تكاليف الوقود بنسبة تصل الى %25. كما أن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة قطع غيار الطائرة، التي تقلص الحاجة الى البراغي والمسامير، يعد قفزة كبيرة الى الأمام. وتعتقد شركة ايرباص أن بامكانها انتاج طائرة أخف وزنا بمعدل %30 من النماذج الحالية.
وعلينا النظر كذلك الى الاحلال. ففي مدريد يعمل أسطول شاحنات القمامة بالكامل (الى جانب الحافلات والرافعات) بالغاز الطبيعي المضغوط. وينطبق الأمر نفسه على مناطق كثيرة من كاليفورنيا، حيث يتم الحصول على الغاز من مواقع دفن النفايات. وكما يقول البروفيسور ستيفن تشو، من مركز أبحاث الطاقة إن الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية بشكل خاص، باتت الآن متطورة للغاية، مما يعني أن اخفاقنا بعدم استخدامها بشكل صحيح مسألة تتعلق بـ «قصور ذاتي» أكثر من كونه مسألة عملية. فمن يحتاج اذن الى النفط؟ أو لنكن واقعيين أكثر، من يحتاج الى الكثير من النفط؟
حجة جديدة للشركات
ويمكن تقديم حجة جيدة في موضوع شراء شركات النفط والتعدين المتعثرة في الوقت الراهن، لكن بعض التوقعات تشير الى أن أعمال الموارد الأساسية التقليدية ستفقد %40 من حجمها أمام المواد خفيف ة الوزن. ومع نمو قطاع المواد الخفيفة بنسبة %8 سنويا، اليكم هذه الفكرة للمستثمرين الذين ينتهجون الاستثمار طويل الأجل.
هناك شركة واحدة فقط بقيت على مؤشر داو جونز الصناعي على مدى السنوات المئة الماضية. و22 شركة فقط بقيت على مؤشر فايننشال تايمز 100 على مدى الثلاثين سنة الماضية. فما هي احتمالات أن تبقى شركات النفط الكبيرة عندما ننظر الى السنوات الثلاثين المقبلة؟
اذا كنت تريد الاستثمار في شيء يعكس احتمال أنها لن تبقى، ففكر في صندوق RobecoSAM Smart Materials الذي يستثمر، من بين أشياء أخرى، في المواد الذكية التي تشهد طلباً سريعاً على منتجاتها. وهذا الصندوق موجود على اللائحة الخاصة بي للاستثمار. كما أنني أتناقش مع زوجي بشأن العثور على طريقة لشراء سيارة فورد F- 150. وأعتقد أن شاحنة بيك أب جديدة ستكون أفضل لكل من البيئة ورحلات الذهاب والاياب الى المدرسة من سيارة باسات التي نملكها منذ 10 سنوات.