تعمدت أن يكون العنوان عن معارض الكتب العربية لا عن معرض الكويت للكتاب وحسب، رغم أن المناسبة هي معرض الكويت، لكن هذا لا يعني أبدا أن معرضنا أسوأ من معارض غيرنا، ولا يعني أن حالهم أفضل من حالنا، فكلنا كما يبدو في همّ المعارض عرب!
وإذا كانت معارض الكتب الخليجية، خصوصا في أبوظبي والشارقة والدوحة، قد تفوقت على معرضنا لجهة التنظيم (بما فيه مستوى المكان ونوعية الضيوف وعددهم، وطبيعة الأنشطة الثقافية المصاحبة وعددها)، الذي جعل من تلك المعارض الثلاثة تضاهي في المستوى التنظيمي أفضل المعارض العالمية، فإنها لجهات أخرى، منها الرقابة على سبيل المثال، أقل مستوى من معرضنا، رغم السمعة الرائجة في السنوات الأخيرة، ومفادها أن ما يمنع في الكويت يعرض في معارض البلدان المجاورة، ومنها البلدان الأشد محافظة تقليديا كالمملكة العربية السعودية.
تلك السمعة..
كلنا تقريبا وقعنا في شباك تلك السمعة التي فنّدها لي كثير من الناشرين العرب مؤخرا، رغم أن هؤلاء الناشرين يتعاملون بمنطق التاجر الذي لا يريد أن يخسر سوقا من الأسواق المفتوحة أمام بضاعته، وبالتالي فهو لا يقدم على انتقاد أرباب هذا السوق علناً، بل يعمل غالبا على كسب رضاهم لنيل امتيازات أكثر تتيح له التواجد دائما في تلك المعارض أو «الأسواق». وهذا منطق لا مفر من التعامل معه كما يبدو ما دام معظم هؤلاء الناشرين يعتبرون كتبهم مجرد بضاعة تحتاج الى «تصريف» لا مادة خام للثقافة والفكر ينبغي أن تنتشر رغم كل المعوقات، لتصبح الأساس الذي تنبني عليه نهضة الأمم والشعوب عادة، وبالتالي لا ينبغي أن تكون عرضة لحسابات الربح والخسارة التي يتعامل وفقا لها هؤلاء الناشرون التجار.
مزايا معرض الكويت
حسناً.. معرض الكويت للكتاب وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود عليه يبدو سيئا جدا، لكن ما يخفف من وقع هذا الوصف علينا أنه ليس بأسوأ من غيره من المعارض المجاورة، حتى وإن بدا الأمر لنا كذلك أحيانا ظاهريا وشكليا.
المبيعات جيدة جدا في معرض الكويت، بشهادة أغلب الناشرين الذين، رغم سوء تنظيمه، فانهم حريصون على المشاركة فيه كل عام لهذا السبب أولاً.
ثم ان التسهيلات التي تمنح للناشرين من قبل الجهة المنظمة للمعرض، وهي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أفضل من التسهيلات التي تمنحها لهم الجهات المنظمة في الدول المجاورة، وأيضا بشهادتهم، وخصوصا لجهة سعر إيجار الجناح وتكاليف نقل الكتب وغيرها من الخدمات الأخرى التي تنعكس إيجابا على الناشر، وبالتالي على أسعار كتبه، أي على القارئ.
أما الرقابة في معرضنا، فهي سيئة جدا بالتأكيد، ولا نستطيع تجميلها بأي حال من الأحوال، ولكننا نستطيع مقارنتها بالرقابة في المعارض المجاورة لنصل الى أن النتيجة واحدة في النهاية. فلا ينبغي لنا أن نكرر الحديث عن رقابة أفضل من رقابة، ورقيب أكثر وعيا من رقيب، ودولة أكثر تسامحا من دولة.
على عينك يا ناشر
وإذا كنا نشتكي في الكويت من منع كتب ونعددها ونذكرها بالعناوين والأرقام، ففي بعض الدول المجاورة يتحدثون، في تويتر وليس في الصحافة كما نفعل، عن أجنحة بالكامل تصادر وأحيانا تدمر تحت جنح الظلام ويستبدل بها غيرها من دون علم الناشر أحيانا، وعلى عينك يا ناشر أحيانا أخرى!
واذا كنا نتحدث هنا عن منع روايات ودواوين شعرية بسبب مقاطع معينة، ففي بعض الدول تمنع الكتب بالنوايا وبالأسماء! كأن يعمد الى منع كل كتب فلان الفلاني لأنه ينتمي للجماعة السياسية الفلانية على سبيل المثال، بغض النظر عن نوعية الكتب الممنوعة!
وإذا كنا نمتعض من سلوك الرقيب الذي يلاحق بعض الكتب المعروضة فعلا في الأجنحة، فهناك رقباء من نوع آخر في بعض البلاد، يتبرعون بالمرور على الاجنحة من دون تكليف رسمي وظيفي كما يحدث عندنا، ولا يكتفون بمصادرة ما لا يعجبهم من الكتب والدواوين الشعرية، بل لا يتورعون عن تمزيق أوراقها أمام أعين الجمهور بتلذذ غريب!
القبض على أوريل
وإذا كان الأمر لدينا يقتصر على منع الكتب من العرض في المعرض، والطلب من الناشر إخفاءها فقط، إن وجدت، فإنهم في بلاد عربية أخرى، غير مجاورة هذه المرة، يسارعون الى إلقاء القبض على من يتمشى في الشارع وهو يحمل رواية ممنوعة على سبيل المثال، حتى وهو لا يعرف أنها ممنوعة. وهذا ما حدث في عاصمة عربية مؤخرا، إذ ألقي القبض على طالب جامعي بتهمة حيازة رواية جورج أوريل «1984» التي تتحدث عن سلبيات أنظمة الحكم الشمولية في رسالة غير مقصودة ممن ألقى القبض على الطالب الى الجمهور بأن ما تتحدث عنه الرواية هو نفسه ما يحدث في البلد!
وهناك أمثلة كثيرة أكثر غباء من هذا المثال، يمكن أن ترشح من معارض معظم الدول العربية الأخرى المجاورة وغير المجاورة، تثبت أن معارض الكتب كلها سيئة، ولا أحد أفضل من أحد، ولا بلد أفضل من بلد. لا نقول ذلك تجميلا لوجه معرضنا الذي لم يعد جميلا في السنوات الأخيرة، ولكن نشير إلى أن الوجوه كلها أصبحت قبيحة للأسف، فلا ينخدع أحدنا بالمكياج الذي يبرع جيراننا في وضعه على وجوه معارضهم!
سعدية مفرح
saadiahmufarreh@