السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السعادة هي الحلم الذي يريد كل إنسان تحقيقه، وهي الغاية التي يسعى وراءها كل واحد. وكلنا يسأل نفسه ما هي السعادة، وهل أنا سعيد أم لا؟
هذه السعادة التي شغلت البشر هي شعور داخلي يظهر في الإحساس بالسكينة وراحة البال وانشراح الصدر. فهي في كلمة طمأنينة القلب.
يتصور الغربيون أن السعادة هي إشباع اللذات وإعطاء الإنسان أكبر قسط من المتع الجسدية. لذلك نراهم يعيشون الدنيا ينهمون من لذاتها ويقدّسون الإباحية، وتفكيرهم لا يتعدى الجنس والمال. ومع الأسف كثير من المسلمين يقلدونهم في هذا، ويتتبعون خطاهم.
أصبحت متعة المسلم غريزة يشبعها، ولذة يشعرها. أصبحت الدنيا عندهم هي مركز التفكير. فالبيت المريح والسيارة الفاخرة والمرأة الجميلة، هي عناصر السعادة التي يتصورها المسلم تقليدا للغرب. ولكن هل يشعر الناس حقا بالسعادة رغم امتلاكهم لهذه العناصر؟
إنّ ديننا الحنيف لا يدعو إلى الرهبانية ولا إلى ترك الدنيا ولا إلى اعتزال ملاذها وشهواتها كما يتصور رهبان النصارى وبعض الصوفية، بل على العكس من ذلك أباح ذلك وحلله. قال الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
ووردت نصوص تبيّن بعض عناصر السعادة في الدنيا، منها: عن إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء) (ابن حبان في صحيحه). وعن نافع بن عبد الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصلح والمنزل الواسع والمركب الهنيء) (الحاكم في المستدرك).
وليس المقصود أن هذه العناصر هي جالبة السعادة المطلقة ومحققة الطمأنينة القلبية الدائمة، فهي مرتبطة بالأساس الذي هو الإيمان وما ينتج عنه من عمل صالح. فبدون إيمان لا تتحقق السعادة في الدنيا ولو امتلك الإنسان كل الدنيا. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
ويذكرنا الله سبحانه بالقاعدة الأساسية في السعادة فيقول: {كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
فهذه الحياة الدنيا فانية، وسعادتها فانية، ثم نرد إلى ربّ العزة لنلقى السعادة الحقيقية الدائمة وهي الفوز بالجنة ونيل رضوان الله. {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
ثمّ -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- (إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل). وذلك لأنه: {للَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.