اللافت في عملية المتحف الوطني بتونس، أنها نقلت سوح المعارك في الحدود مع الجزائر وليبيا وبعض المحافظات الداخلية إلى قلب تونس العاصمة في تطور يحمل أكثر من دلالة، أبرزها اختراق الجماعات المسلحة لقوات الأمن التونسية التي خاضت معها جولات ومناوشات في جبل الشعانبي وبعض المعابر الحدودية، وفي كل مرة كان الإرهابيون يتكبدون خسائر وإن كانت في التونسيين أنفسهم مدنيين وعسكريين.
إرهاب تونس، هذه المرة تفرقت دماؤه بين عواصم العالم ونالت أوروبا وآسيا نصيبا وافرا، في عملية ستلاحق لعناتها وأتعابها السياحة التونسية لسنوات قادمة.
لن يكون سهلا على أول حكومة تونسية ما بعد الانتقال الديمقراطي، وهي الباحثة عن دعم مالي دولي لترتيب بعض الأولويات تتصدرها البطالة والفقر، أن تتقبل حدثا كالذي وقع الأربعاء والذي سيُحمل حكومة الحبيب الصيد أثقالا مع أثقالها، وهي المطالبة بالثأر لدماء غربية سالت على أراضيها لتدخل لعبة جديدة في مسلسل صراعها مع جماعات مسلحة ظهرت بالتزامن مع الثورة التونسية ورافقت مرحلتها الانتقالية بالاغتيالات السياسية من شكري بلعيد إلى الإبراهيمي مع مناوشات عند نقاط التفتيش والمعابر وأحيانا حرب الشوارع في المدن.
العملية الأسوأ
صراع تونس مع الإرهاب حافل بالشد والجذب، غير أن حادثة متحف باردو، تعتبر العملية الإرهابية الأولى من نوعها في العاصمة تونس، والثانية التي تستهدف سياحا، منذ هجوم أبريل/ نيسان 2024، الذي لحق بكنيس الغريبة (معبد يهودي) في جزيرة جربة (بمحافظة مدنين جنوبي البلاد)، وقتل فيه 14 شخصا، منهم 6 سياح ألمان و6 تونسيين وفرنسي واحد، كما أصيب فيه أكثر من 30 شخصا.
أما الاحصائيات غير النهائية لحادثة المتحف التي أعلنها رئيس الحكومة، فتؤكد مقتل 17 سائحا، بينهم 4 إيطاليين، وفرنسيا واحدا، وكولومبيين اثنين، و5 يابانيين، وبولونوي واسترالي، وإسباني ، إضافة إلى مواطنين تونسيين، فضلا عن منفذي الهجوم، قبل أن يلحق باللائحة قتيلان، الخميس، قد تكشف الساعات المقبلة عن هويتهما.
أما الجرحى فهم “13 إيطاليا، أحدهم في حالة حرجة، و7 فرنسيين أحدهم في حالة حرجة، و4 يابانيين أحدهم في حالة حرجة، و6 تونسيين، و11 بولونيا، وروسيا واحدا، وجريحا من جنوب إفريقيا”.
أرقام جعلت أعضاء في الحكومة التونسية، يؤكدون أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل قوانين رادعة جديدة ومتشددة ستؤخذ من خلال تشريعات أو قرارات حكومية ورئاسية في إطار مكافحة الإرهاب، مشددين على أن العملية الإرهابية وقعت نتيجة وجود تخطيط خارجي ودعم من بعض الفرق المتطرفة في الداخل.
مراحل الصراع
جولات الكر والفر كثيرة خلال السنوات الأخيرة بين قوّات الأمن التونسية والمجموعات الإرهابية المسلحة، الأخيرة نجحت مرات عديدة في استهداف دوريات الحرس والأمن ، وتطورت الأمور في 2024 إلى أن استهدف الإرهابيون منزل عائلة وزير الداخلية حينها؛ لطفي بن جدّو بمدينة القصرين.
يومها جاءت ردة الفعل قوية، متمثلة في تمكن الأمن التونسي من إلقاء القبض على المدعو أبو أيّوب أحد قيادات الصفّ الأوّل في تنظيم أنصار الشريعة المحظور في منطقة قابس غداة دخوله التراب التونسي عائدا من ليبيا في 15 مارس 2024.
بعدها تتالت الأحداث من حادثة حي عزيز بجندوبة بعدها بيومين، والتي أسفرت عن مقتل المجموعة الإرهابية المكونة من 3 عناصر، وتوقيف 6 عناصر من بينهم نساء.
مطلع العام الحالي2020 ، شهد اندلاع مواجهات مسلّحة بين الوحدة المختصة للحرس الوطني usgn وبين العنصر المسلّح والمصنّف لدى السلطات الأمنية “ارهابيا خطيرا” صابر المطيري بجهة برقو من ولاية سليانة في الـ 10 فبراير الماضي، بعد بخمسة أيام شنت الجماعات المسلحة هجوما على دورية للحرس في القصرين أسفر عن مقتل أربعة أعوان، وهي العملية التي تبنتها كتيبة عقبة بن نافع عبر حسابها الخاص على تويتر “افريقيا للاعلام”، علما أنّ هذا الحساب كان قد أعلنت قبل ساعتين من حصول العملية قُرب تنفيذ الهجوم.
الحصاد المر
صفوة القول، وتونس تكتوي من جديد بنيران الإرهاب، إن سنوات الثورة كلفت البلاد صراعا سياسية مصحوبا بمقارعة جماعات رأت النور مع سقوط نظام بن علي وناصبت حكام تونس الجدد العداء، وهكذا أظهرت دراسة إحصائية أنه خلال الفترة من 2024 إلى فبراير2020، وصلت الحصيلة البشرية للمواجهات إلى 68 قتيلا من قوات الأمن و183 جريحا، إضافة إلى مقتل 4 مدنيين، وجرح 3 آخرين، فضلا عن مصرع 64 من المجموعات المسلحة.