في استطلاع قامت به القبس في وقت سابق، شمل نخبة من رجال الأعمال بشأن الظروف الاقتصادية والمالية، التي تمر بها أسواق المال والبورصات العالمية في الآونة الأخيرة ودور الدولة في هذا الشأن، اتضح أن هناك تباينا في الآراء بين مؤيد للتدخل الحكومي ومعارض، وبين من ينادي بالتدخل التدريجي والحذر، كما اختلفت الآراء حول ما إذا كانت هناك أزمة أم أن ما هو حاصل هو وضع طبيعي وتصحيح للسوق، وسوف يأخذ دورته في الصعود مرة أخرى، ومن ثم لا داعي للهلع والخوف والمناداة بتدخل الحكومة. وتعالت الأصوات هذه الأيام مرة أخرى، مطالبة الدولة بالتدخل في السوق، متهمة إياها بأنها هي السبب وراء هذه الأزمة من حيث عدم الاستقرار السياسي وتوقف خطة التنمية وعدم اتخاذ القرارات الحاسمة بحق الشركات المتعثرة وغربلة السوق من الشوائب لتبقى الشركات العاملة والملتزمة بالقوانين وحقوق المساهمين، وإلى القرارات والأحكام القاسية وغير المبررة من قبل الهيئة بحق الشركات والمتداولين والوسطاء، والمطالبات المطروحة لتعديل قانون هيئة أسواق المال.
والمتابع للأحداث يلاحظ أن السوق لم يتعاف منذ مدة طويلة، وجاءت أزمة انخفاض أسعار النفط لتزيد من هذا الانهيار الدراماتيكي إلى درجة لم يتبين للمستثمر القاع الذي سوف تصل إليه الأسعار! وإن كان بعض الخبراء استبعد وجود علاقة بين تراجع أسعار النفط من جهة ونزول أسعار الأسهم من الجهة الأخرى، إلا أنه من غير المستبعد أن تكون نفسيات المستثمرين تأثرت سلباً بمتغيرات سوق النفط العالمي.
وهذا التباين في الآراء يقودنا إلى البحث عما إذا كانت الدولة ملزمة قانوناً بالتدخل لوقف نزيف نزول الأسعار وتبخر مدخرات المواطنين، هل هو محض اختيار لها، وحسب تقديرها ورؤيتها أم أنه لا يجوز لها التدخل أصلا خشية إهدار المال العام في سبيل إنقاذ مجموعة من المضاربين قادهم الجشع والطمع إلى هذه الحال؟
بداية يجب الإشارة الى أن دور الدولة لم يعد يقتصر كما كان في السابق على أن يكون حافظاً للأمن وحارساً للحدود، بل أصبح لها دور فعّال ورئيسي في الاقتصاد وتوفير التنمية والبحث عن الموارد المالية وصيانتها، وأن الدور الاقتصادي للدولة أصبح أكثر وضوحاً في الكويت، لأنها تمتلك مصادر الدخل ومعظم وسائل التنمية، بل أصبح دورها منافساً في السوق والقيام بالاستثمار وتملك الأسهم والعقارات والمتاجرة بها، وتماشياً مع هذا التوجه قامت الهيئة العامة للاستثمار، الذراع الاستثمارية للدولة في وقت سابق بتوزيع مبالغ على الصناديق الاستثمارية لم يكن من أجل المساعدة في أزمة السوق بقدر ما هو اقتناص للفرص الاستثمارية.
ولم أجد في نصوص الدستور أو أي نص تشريعي آخر يمنع تدخل الدولة في الأزمات الاقتصادية، بل ان من أهم واجبات الدولة حماية الاقتصاد الوطني وكثير من الدول قد تدخلت وقت الأزمات الاقتصادية وساندت المؤسسات المالية، ووفقاً للمادة 16 من الدستور فإن الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية، كما جاء في المادة 20 من الدستور أن الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الانتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين. ومن المعلوم أن تحقيق الرخاء للمواطنين لا يمكن أن يتم إلا من خلال اقتصاد قوي وموارد مالية تدعم خطط التنمية.
فإذا ما رأينا من النصوص السابقة للدستور ما يحفز على دعم الاقتصاد والإدخار والملكية، فإن قرار الحكومة بالتدخل في السوق وحفظ مدخرات المواطنين والعودة بالثقة إلى السوق المحلي بدلاً من تسربها إلى الخارج أمر واجب ولا يمكن لومها أو انتقادها إذا ما سلكت مثل هذا المسلك. ولكن مع تدخل الدولة ومحاولة إنعاش السوق فإنه من الواجب أيضاً، بل من الضروري عدم ترك المتسببين في انهيار السوق والمتلاعبين والمتحايلين طلقاء دون محاسبة، ويجب كذلك إعادة الثقة إلى السوق من حيث تصفية السوق من شوائب الشركات المتعثرة واستقرار هيئة سوق المال وإعطاء الفرصة للتصحيح والعمل على توفيق أوضاع البورصة وباقي اللجان مع القانون، ولا يعيب انتقاد قانون الهيئة والقوانين الأخرى ذات الصلة والمطالبة بتعديله من آن إلى آخر إذا ما ثبت بالتطبيق أن هناك حاجة إلى التعديل والتغيير.
هذا من ناحية دعم السوق، أما تعويض المتداولين والمستثمرين فالأمر في غاية الدقة، وسوف يكون القضاء متردداً في تعويض المستثمرين من المال العام، ولكن إذا ما كانت خسارة المستثمر ناتجة عن خطأ من جانب الدولة، وكان الخطأ يقيني ومتسبب في الخسارة، فإن التعويض يكون مستحقا إذا ما ثبت بالأدلة الدامغة كما سبق القول الخطأ، وثبت الضرر ومقداره، وثبت أن الخسارة أو الضرر كانا نتيجة هذا الخطأ، وليسا بسبب آخر كعدم اتخاذ القرار بالنسبة للمستثمر في الوقت المناسب، أو عدم اتخاذ الحيطة والحذر اللازمين وغيره من الأسباب الكثيرة التي قد تقطع علاقة السببية بين الضرر الحاصل للمستثمر والخطأ من جانب الحكومة.
المحامي عبدالرزاق عبدالله