تشابكت الأحداث السياسية الداخلية التي شهدتها الكويت خلال الأيام القليلة الماضية بطريقة معقدة تنذر بدخول البلد الخليجي الذي يمتلك برلماناً منتخباً وصحافة نشطة لاتعرف الخطوط الحمراء في دوامة سياسية جديدة.
ويبدو الخلاف القديم بين الحكومة والمعارضة حول تعديل قانون الانتخابات المثير للجدل في العام 2024 الأقل حدةً في المشهد السياسي الكويتي الحالي مقارنةً بالتطورات الأخيرة التي عادت فيها قضية “بلاغ الكويت” الشهيرة لواجهة الأحداث، وتصعيد المعارضة لمطالبها.
ويقول مراقبون للشأن الكويتي، إن البلاد على حافة أزمة سياسية جديدة غير مستعدة لها، حيث يواجه البلد الخليجي المجاور للعراق تحديات كبيرة قادمة من الجوار، توشك أن تصل الكويت في أي لحظة.
المشهد المعقد
وشهدت البلاد خلال الأسابيع الماضية عدة أحداث جعلت من المشهد السياسي الداخلي معقداً، فبعد اعتقال أمين عام حركة العمل الشعبي مسلم البراك مطلع شهر مارس/آذار الجاري لتنفيذ حكم قضائي بالسجن لمدة عامين بتهمة الإساءة للذات الأميرية في قضية تعود للعام 2024، صعدت المعارضة من تحركاتها.
كما اعتقلت السلطات الأمنية رئيس حزب الأمة حاكم المطيري، ورئيس الحركة الديمقراطية المدنية (حدم) طارق المطيري، بتهمة الإساءة للسعودية قبل أن تفرج عنهما تباعاً بكفالة مالية، إضافة لاعتقال الناشط عبدالرحمن العجمي بالتهمة ذاتها.
وتوجت أحداث الكويت السياسية الداخلية، الأربعاء، عندما أعلن النائب العام الكويتي ضرار العسعوسي حفظ القضية المتعلقة ببلاغ الكويت الشهير لعدم توفر الأدلة الأصلية، وهي قضية شهيرة يواجه فيها رئيس الحكومة السابق ناصر المحمد الصباح ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي تهمة تتضمن الاعتداء على المال العام و التخابر مع دولة أجنبية و التآمر على قلب نظام الحكم و غسل الأموال.
المعارضة
وفي غضون ذلك صعدت المعارضة نشاطها حيث نفذ نحو ألفي كويتي اعتصامين في ساحة الإرادة وسط العاصمة الكويت خلال الشهر الجاري للمطالبة بإطلاق سراح البراك، لكن ذلك يبدو غير ذي أهمية مع استعداد كافة تيارات المعارضة للدعوة إلى نزول مئة ألف متظاهر لتحقيق كافة مطالبهم.
وعقدت المعارضة بكافة تياراتها عدة اجتماعات في الأيام الماضية، وفي اجتماع عقد مساء الثلاثاء في مقر حزب الأمة (إسلامي)، حضر ممثلون عن الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، والحركة الشعبية الدستورية (حشد)، والتيار التقدمي الكويتي، ومظلة العمل الكويتي (معك)، والمنبر الديمقراطي الكويتي وحزب المحافظين المدني.
ويقول مراقبون للشأن الكويتي إن أطياف المعارضة الكويتية الدينية والليبرالية تبدو متحدة الآن أكثر من أي وقت مضى خلف مطالب ثابتة تتمثل بالمطالبة بحل مجلس الأمة والحكومة، وإطلاق سراح معتقلي الرأي ووقف ملاحقتهم وإعادة الجنسيات لمن سحبت منهم، وتعديل قانون الانتخابات وملاحقة الفاسدين.
خلاف داخلي
وتشكل تطورات قضية بلاغ الكويت المعروفة بقضية “الشريط” خلافاً داخلياً بين الحكومة الكويتية ولموالين لها، فبعد بيان النائب العام بحفظ البلاغ، رد الشيخ أحمد الفهد الصباح وهو أول من قدم البلاغ رسمياً للنيابة العامة العام الماضي، على قرار النائب العام بشكل قوي.
وشكك الفهد وهو أحد أعضاء حكومة الشيخ ناصر المحمد السابقة، بتحقيقات النيابة التي قالت إن شريط الفيديو الذي قدمه غير أصلي وتعرض للتلاعب، وقال إن الشريط الأصلي موجود عند القضاء السويسري الذي حقق أيضاً في القضية، وأنه كان على النيابة العامة التوجه إلى هناك.
وأضاف في بيان شديد اللهجة إن لديه أدلة ” تهز أركان الوطن و مؤسساته … إن إخوتي من أبناء وطني يجب أن يطلعوا على كل ما أملك من تفاصيل بعد أن أغلق باب النيابة أمامي قسرا ، وحينها ستنفك أمامهم طلاسم المؤامرة و مخطط السيطرة على البلاد ومقدراتها، و لن أخون أمانتي أمام أبناء وطني، بل سترون كل من سولت نفسه بخيانة وطنه و استباحته يحاسب شر حساب أو يلاحق من بلد إلى بلد في موعد قريب ليس ببعيد”.
ثوابت كويتية
ورغم أن التحقيق في بلاغ الكويت وما تضمنه من اتهامات، هو أحد مطالب المعارضة التي كشفت العام الماضي عن وثائق بهذا الشأن، وطالبت بتشكيل تحقيق خارجي فيها، إلا أنها رفضت التعاطي مع الشيخ أحمد الفهد الذي يسير في الاتجاه ذاته، لكنه محسوب على الحكومة.
وفي أحدث رد من المعارضة على بيان الفهد، قال رئيس مجلس الأمة السابق أحمد عبدالعزيز السعدون، إن الأدلة التي يقول الفهد أنه يمتلكها لن”تهز أركان الوطن ومؤسساته” وإنما ستصحح المسار، ”وتهز أركان الفساد في الوطن ومؤسساته”.
وقال السعدون الذي أبطلت المحكمة الدستورية المجلس الذي يرأسه في العام 2024، بعد تعديل قانون الانتخاب آنذاك، مخاطباً الشيخ أحمد الفهد “لم يكن من المعروف عنك تأييدك للديمقراطية ومن ذلك دورك الذي كنت تقوم به في مجلس الأمة بالتصدي للأعضاء ومواجهتهم وإفشال محاولاتهم الإصلاحية عندما كانوا يمارسون سلطاتهم الدستورية في مساءلة الوزراء أو رئيس الوزراء”.
ويقول مراقبون إن قانون الصوت الانتخابي الواحد الذي أقر في العام 2024 فصل بين الحكومة والمعارضة بشكل تام، ليصبح التشكيك ببعضهما البعض من الثوابت الكويتية التي لن يزيلها إلا جلوس الطرفان إلى طاولة حوار كويتية تنقذ البلد من السجالات السياسية غير المجدية.
مطالب الكويتيين
ولا يلقى كلام الحكومة الكويتية التي تكافح لمواجهة تهاوي أسعار النفط الذي يشكل شريان الاقتصاد الكويتي، صدىً لدى المعارضة، ويسود الشك والريبة والاتهامات المتبادلة بينهما على الدوام.
ويخشى الكويتيون أن تتسبب الاعتقالات الأخيرة في صفوف المعارضة، وعودة قضية “بلاغ الكويت” إلى واجهة الأحداث، في دخول بلدهم في أزمة سياسية جديدة ما تلبث أن تنطفئ حتى تشتعل من جديد.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي يكتب فيها الكويتيون آرائهم حول ما تشهده البلاد، يبدو السأم والملل واضحاً من حال البلد الغارق في الروتين الحكومي والفساد والصراعات السياسية المستمرة، بينما يتطلعون لأن تصبح الكويت بمكانة دول خليجية مجاورة أقل ثروة مما تملكه بلدهم.