القاهرة – في عام 1998 تلقى الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش ضربات جوية من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمدة 78 يوما متتالية، اضطر معها للاستسلام والتخلي عن كوسوفا.. وفي عام 2024 تلقت قوات العقيد الليبي معمر القذافي ضربات من نفس الحلف، ساهمت بالإضافة إلى تحركات الثوار على الأرض في سقوطه.كانت هذه تجارب ناجحة لما يمكن أن تحققه الضربات الجوية من تأثير، دون الحاجة إلى التدخل البري، ولكن في المقابل كانت هناك تجارب أخرى أكدت على حقيقة أنه بدون تدخل بري لا يمكن تحقيق نتائج إيجابية، وهو ما يظهر في عدم قدرة أمريكا بضرباتها الجوية على تصفية تنظيم داعش، وعدم قدرة إسرائيل بضرباتها الجوية على تصفية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة.ويصبح السؤال الذي ينتظر الجميع الإجابة عليه هو: هل ستحقق الضربات الجوية أهدافها وتجبر الحوثيين على التفاوض، أم أن الحوثيين في المقابل سيجبرون السعودية على ما تكرهه وهو الاقتحام البري؟في الإجابة على هذا السؤال يقفز إلى المشهد التطور الذي حدث بعد ساعات من بدء الضربات الجوية يوم الخميس 26 مارس / آذار بإعلان ضباط وأفراد اللواء "35 " مدرع بمحافظة تعز (جنوب صنعاء)، تمردهم عن قائدهم العميد منصور محسن معيجر، وطرده من اللواء، وهو ما لا يمكن فصله، بحسب صفوت الزيات، العميد المتقاعد في الجيش المصري، عن سياق الضربات الجوية التي توجهها قوات تحالف "عاصفة الحزم" إلى معسكرات وأماكن تمركز مسلحو الحوثي والقوات الموالية الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح.وقال الزيات في تصريحات خاصة للأناضول: "الهدف الرئيسي للضربات الجوية، هو إضعاف إرادة القتال لدى الطرف المستهدف منها، نتيجة لتسلل الإدراك بالعجز عن مواجهة الاستنزاف اليومي وعدم القدرة على الإنجاز والتحرك على الأرض".تسلل هذا الشعور إلى أي طرف مقاتل، يسهل من مهمة، الضغط عليه بـمعادلة "سيف المعز وذهبه"، ويعني ذلك التلويح بالإغراءات لشراء الولاء، وإن لم تحدث استجابة تكون القوة العسكرية حاضرة للتعامل، بحسب الزيات.ولا يملك الزيات معلومات حول استجابة اللواء المنشق لذهب المعز أو سيفه، لكنه يؤكد أن ما حدث هو مؤشرا لضعف إرادة القتال لدى هذا اللواء، وهو أمر ليس مستغربا.وأضاف: "القوات التقليدية، ليست قوات عقائدية مثل جماعة الحوثيين وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، وبالتالي فإن هذه القوات عندما يتسلل إليها عدم القدرة على مواجهة الاستنزاف، وأن من يرعاها صار في الموقف الأضعف، تفقد إرادة القتال، وتصبح في هذه الحالة احتمالات أن تغير ولائها حاضرة في المشهد".وتعول السعودية على الاستعانة بهذه القوات المنشقة بعد المزيد من الضربات الجوية، لتجنيبها التدخل البري، ومن ثم دفع الحوثيين للتفاوض على أساس احترام شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ولكن فرص نجاح هذه المخطط تثير اختلافا بين الخبراء.المحلل الاستراتيجي الأردني جواء الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط (غير حكومي)، يعول كثيرا على نجاح هذه الضربات في تحقيق أهدافها، عبر المزيد من الانشقاقات في صفوف القوات الموالية لعلي عبد الله صالح، وبالتالي تصبح معادلة "سيف العز وذهبة" حاضرة في المشهد.وقال الحمد في تصريحات خاصة للأناضول: "الهدف من هذه الضربات الجوية سيؤتي ثماره في تحجيم غرور الحوثيين، لإجبارهم على الدخول في العملية السياسية، كطرف سياسي مهم، ولكن دون فرض إرادتهم".ويتوقع الحمد بعد انشقاق اللواء مدرع 35 يوم الخميس 26 مارس / آذار ، أن يؤدي التدخل العسكري لتحالف عاصفة الحزم، إضافة إلى التهديد بسيف المحاكمة الدولية لعلي عبد الله صالح وقاده قواته، إلى "مفاوضات سياسية يعود بمقتضاها الرئيس اليمني إلى ممارسة صلاحياته، على أن تكون هناك قوات عربية لحفظ الأمن والسلام لمده عامين على الأقل".ومنحت المبادرة الخليجية التي ترك صالح السلطة بمقتضاها حصانة من الملاحقة القانونية، غير أن تدمير هذه المبادرة بالانقلاب على السلطة يجعل صالح عرضة للمحاكمة الدولية، وهو ما يمكن استخدامة كورقة في الضغط.وعلى خلاف الرأي السابق، لا يتوقع طلال عتريس، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية في بيروت، "نجاح الضربات الجوية في فرض معادلة: سيف المعز وذهبه".وقال في تصريحات خاصة للأناضول: "لا مفر من التدخل البري، ولنا في التجربة السورية نموذجا، حيث لم تفلح الانشقاقات بالجيش السوري في تغيير المشهد".وتابع: "الجيش السوري متماسك، على عكس قوات الرئيس اليمني السابق علي صالح، ومن ثم فإن أي انشقاقات بصفوفه من المفترض أن تؤثر بشكل كبير، ومع ذلك لا تزل الأزمة مستمرة رغم كثره الانشقاقات منذ قيام الثورة السورية قبل خمس سنوات".وطوال مدة الأزمة السورية لم ينجح أي من الطرفين في حسم المشكلة، لأن النظام يحتاج إلى جانب الضربات الجوية لتدخل بري قوي، والمعارضة تحتاج إلى جانب قدراتها البرية تحجيم السلاح الجوي، بحسب عتريس.وأضاف: "لا مفر من التدخل البري لقوات التحالف حتى لو أنفضت كل قوات علي عبد الله صالح من حوله، لأن الطرف الآخر في المعادلة وهو الحوثيين يقاتل من منطلق عقائدي، ويصعب إجباره على التفاوض السياسي بالضربات الجوية وحدها دون التدخل البري".هذه الرؤية التي يطرحها عتريس، تجد معارضة من محمد علي بلال اللواء السابق في الجيش المصري، والذي قال لمراسل الأناضول: "هناك قوات القبائل الموالية للسعودية، والرافضة للحوثيين، والتي يمكن أن يتم استخدامها إذا لم تؤت الضربات الجوية وحدها الغرض".وأضاف: "في اعتقادي فإن الضربات الجوية وحدها قادرة على اجبار الحوثيين على الجلوس على مائدة المفاوضات، وهذا الهدف المعلن للعملية، ولكن ان لم تنجح وحدها، فإن القبائل الموالية للسعودية، والرافضة للحوثيين، يمكن أن تقوم بدور القوات البرية، تحت غطاء من القوات الجوية، وهي التجربة التي آتت ثمارها في القضاء على نظام معمر القذافي في ليبيا.وأثناء الثورة الليبية في عام 2024 كانت طائرات حلف الناتو بمثابة غطاء جوي يمهد الطريق لتحركات الثوار على الأرض، مما أدى إلى سقوط نظام الرئيس الليبي.وسبق واستخدمت السعودية هذا السلاح بدعم قبائل لمواجهة الداعمين لتحول اليمن إلى جمهورية في الثورة اليمنية عام 1962، حيث قامت في عام 1962 حرب أهلية بين الموالين للمملكة وبين المواليين للجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 – 1970)، تلقى خلالها الموالون للمملكة دعما من السعودية.وعلى ذلك، فإن الاستراتيجية السعودية وفق الخبراء ذات ثلاثة عناصر بدأت بسيف المعز، ثم الإغراء بذهبه، وقد تضطر لتضيف الخيل (التحرك البري عبر القبائل والمنشقين) إلى السيف والذهب، وفق تطورات الوضع على الأرض.وتعود قصة العبارة الشهيرة " سيف المعز وذهبه" إلى قصة شهيرة كان بطلها المعز لدين الله الفاطمي، الذي دخل مصر بعد سقوط الدولة الإخشيدية عام (358هـ)، وعندما سأله المصريون عن حسبه ونسبه، تقول الروايات أنه خرج على المصريين بالسيف فى يد والذهب فى أخرى، وردد عبارته المشهورة وهو يشير إليهما: «هذا حسبى وهذا نسبى»، وهى العبارة التى جرت فيما بعد مجرى المثل «سيف المعز وذهبه»، بسبب دقة تعبيرها عن النظرية التى يفضل الحكام التعامل بها مع الشعوب بالترهيب (السيف) والترغيب (الذهب)، وهى النظرية التى أضاف لها الخبراء في الحديث عن الاستراتيجية السعودية كلمة " خيله "، في إشارة إلى القوة البرية للقبائل التي يمكن أن تعتمد عليها.
سلاح السعودية الاستراتيجي لتجنب الحرب البرية في اليمن