تخطى إلى المحتوى

جيل الشباب يدير ظهره للمصارف عشقاً للتكنولوجيا

  • بواسطة
جيل الشباب يدير ظهره للمصارف.. عشقاً للتكنولوجيا
خليجية «لم يكن الأمر أنني لم أستطع التأقلم. ما حدث هو أنني لم أرغب في التأقلم».. هذا ما قاله شاب في العشرينات من عمره ترك العمل في مصرف غولدمان ساكس بعد عامين قضاهما فيه ضمن برنامج تدريب الخريجين، مضيفا «لم أر سببا يقنعني لماذا يجب علي أن أقوم بذلك».

يطغى على المعرفة والمهارات التي تأتي مع الوظيفة في القطاع المصرفي، أسلوب حياة غير مستدام من العمل المضني لفترات متأخرة من الليل، وعطلات نهاية الأسبوع من دون تقاضي أجر يتناسب وطبيعة العمل والجهد المبذول فيه.

هذا الخريج الشاب من جيل ولد خلال فترة ما بين أوائل الثمانينات الى أواخر التسعينات. وتتراوح أعمارهم اليوم بين 18 عاما و33 عاما ودخلوا في المراحل المبكرة من حياتهم المهنية.

هو جيل يبدو أنه يسعى وراء معنى وقيمة أعلى للانجاز والشعور بالرضا عن الذات، جيل يبحث عن ريادة الأعمال والتوازن الجيد بين العمل والحياة وليس المال. وآثار ذلك على البنوك الاستثمارية وشركات حي المال والأعمال التى تسعى الى توظيف والاحتفاظ بهذه الكفاءات، جد جدية.

يقول سايمون كولينز، رئيس مجلس ادارة كي بي ام جي «كان من السهل تحفيز أبناء جيلنا، ارم علينا المال وادفعنا للانطلاق. بيد أن جيل اليوم يبحث عن معنى للحياة، وهو شيء أظن، بصراحة وبخجل، أن جيلنا لم يسع وراءه».

في كلية لندن لادارة الأعمال، تراجعت نسبة الخريجين من حملة الماجستير في ادارة الأعمال الذين يتجهون للعمل في صناعة الخدمات المالية من %46 الى %28 خلال الفترة من 2024 الى 2024. أما نسبة خريجي الماجستير الذين يتجهون للعمل في شركات التكنولوجيا فقد زادت بأكثر من ثلاث مرات، من %6 الى %20.

وأزاح قطاع السلع الاستهلاكية سريع التغيير القطاع المصرفي عن الصدارة لأول مرة، بالنسبة للمهنة المفضلة عند خريجي ادارة الأعمال، وفق دراسة أعدتها شركة ديلويت للاستشارات.

الشكوى الأكثر شيوعا بين أبناء جيل مواليد الثمانينات الى أواخر التسعينات حيال العمل في بنك هي أن «التضحية التي يتوجب عليهم تقديمها كبيرة جدا ولم تعد المزايا تشكل عاملا فارقا وقادرا على تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لهم» بحسب موظف سابق في مصرف غولدمان ساكس.

اذ تم تقليص المكافآت نتيجة القواعد التنظيمية الجديدة التي وضعت لتنظيم العمل المصرفي فيما تمنح الزيادة في الأجر على شكل خيارات أسهم مؤجلة الدفع. كما أن الترقيات لا تأتي بسهولة، ذلك أن الموظفين الأكبر سنا يبقون في وظائفهم الى أن يتمكنوا من استخدام تلك الخيارات. في الأيام المحمومة التي سبقت انهيار ليمان براذرز، كان أولئك الموظفون يتمكنون من تحقيق ما يكفي من المال للتقاعد في وقت أبكر.

ويأتي هذا التغيير في المفاهيم في وقت صعب بالنسبة للبنوك. فالقواعد التنظيمية «تأكل» الأرباح وتقيد تعويضات الموظفين. بينما أصبح رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا النجوم الجدد الآن. كما تواجه البنوك مزيدا من التدقيق في ممارسات عملها وأنشطتها بعد وفاة متدرب في بنك أوف أميركا ميريل لينش العام الماضي وموجة من الانتحار بين العاملين في القطاع المصرفي.

بالنسبة للخريجين، لم تعد الوظيفة بمنزلة وظيفة مدى الحياة. وأصبحوا ينظرون الى العمل المصرفي، بصورة تزيد على السابق، كوسيلة لتعلم المهارات قبل الانتقال الى وظيفة أخرى.

فضلا عن أن المتقدمين بطلب وظيفة باتوا على اطلاع أفضل: فوسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الكترونية من قبيل غلاس دور Glassdoor تشجع الناس على تقاسم تجربتهم حيال ثقافة شركاتهم والأجور والقصص المروعة فيها، في حين تسهل مواقع مثل لينكد ان معرفة ماهية الوظائف الأخرى.

وبالنسبة لمن يبقون في البنوك، باتت الترقيات أكثر صعوبة مما سبق. فمصرف مثل غولدمان ساكس يعمل على ترقية فئة من المديرين كل عامين بدلا من القيام بذلك سنويا كما كان يحدث سابقا.

وكانت المصارف في السابق تخشى أن يذهب الخريج للعمل لدى مصرف منافس آخر. أما الآن فقد استبدل ذلك بجاذبية شركات التكنولوجيا مثل غوغل وفيسبوك وأبل، التي تروق قواعد العمل غير الرسمي التي تتبعها لجيل أصبحت «ريادة الأعمال» بالنسبة له كلمة طنانة لها وقع السحر عليه.

ويجسد فيلم «وول ستريت» الذي أنتج عام 1987، وشعاره الشهير «الجشع أمر جيد»، الثقافة التي سادت فترة الثمانينات من القرن الماضي وما صاحبها من تجاوزات وافراط واستهلاك. أما هذا الجيل فيجسده فيلم «سوشيال نيتوورك»، حيث يستمتع الشاب مارك زوكينبيرغ، مؤسس فيسبوك، بالنجاح المفاجئ الذي حققه.

وكما يقول مايكل لافيل، رئيس أسواق رأس المال في أوروبا والشرق الأوسط في سيتي غروب «لم نعد قادرين على المنافسة ببريق العمل المصرفي والمكافآت المالية فقط».

ونتيجة لذلك، أصبحت البنوك تنتهج أسلوب الاستباقية والاستعداد المسبق في التوظيف. اذ تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والندوات عبر الانترنت ومسابقات الأعمال لجذب الطلاب. سيتي بنك، على سبيل المثال، يدير لعبة تداول، حيث يمكن للطلبة كسب خبرة عملية.

كما يسعى أبناء هذا الجيل وراء ردود الفعل والآراء ومزيد من المسؤولية والخبرة العالمية. وأصبح على كبار المصرفيين المشاركة والانخراط أكثر في عملية التوظيف والتفاعل مع المصرفيين الشباب.

تقول مارغريت دويل، الشريكة في شركة ديلويت «التوازن بين الحياة والعمل أصبح الهدف الأول بالنسبة لخريجي ادارة الأعمال منذ الأزمة»، وهو أمر لا توفره البنوك للعاملين فيها.

وفي حين أن مبادرات مثل عدم تشجيع العمل في عطلات نهاية الأسبوع، بين الساعة التاسعة مساء أيام الجمع الى التاسعة صباح أيام الأحد (غولدمان ساكس) و«حماية الاجازة في نهاية الأسبوع» كل شهر (جي بي مورغان) وحملات علاقة عامة جيدة تقوم بها البنوك، الا أنه في يصعب تطبيق تلك المبادرات.

وكما يقول نائب رئيس سابق لأحد البنوك الأميركية الكبيرة «ممارسات العمل متأصلة وراسخة في الموظفين والزبائن وهي ثقافة يعود تاريخها الى عقود طويلة مضت».

اضافة الى الضغط على ممارسات العمل، يتعين على المصارف أن تتعامل مع تداعيات تتعلق بسمعتها في ما يخص الأزمة المالية وفضائح تتعلق بمخالفات في البيع وغيرها.

الا أن البنوك تقول ان التنافس على استقطاب الخريجين لا يزال كما هو. وينفون ما يقال عن أن جودة الموظفين الجدد تراجعت وأنها تعاني من أجل جذب مرشحين جدد أكثر تنوعا.

غولدمان ساكس يستقبل عادة 12 ألف طلب يتنافسون على 350 فرصة ضمن برنامج التدريب الأوروبي. ثلثا أولئك المتدربين تقريبا يتلقون عروض عمل من البنك.

فكرة انجذاب الخريجين لشركة تكنولوجيا ناشئة قد تجد فكرة مبتكرة تحقق لها نجاحا ساحقا وثروة هائلة، فيها الكثير من الرومانسية. «ليس هناك الكثير من البريق بشأنها» بحسب ما تقول جولي ماير، الرئيسة التنفيذية لشركة أريادن كابيتال التي تعمل مع الشركات الناشئة.

الشركات الناجحـة مثل غوغــل وفيسبوك تعرف عنـد المستثمريــن المخاطرين بــأنها «نادرة» لأن احتمالات تأسيس واحدة مثلها ضئيلة جدا.

ويقول الموظف السابق في غولدمان ساكس «هناك مشكلة تتعلق بالنظرة الوردية حيال ريادة الأعمال. فهي مثيرة ومفعمة بالحيوية، لكنها أيضا فوضوية وغير منظمة».

فهناك الأجور التي لا يمكن توقعها وأسابيع العمل لمئة ساعة، وهي أمور شائعة جدا في الشركات الناشئة، مما يجعل، فجأة، من العمل في القطاع المصرفي ليس بالأمر البالغ السوء.

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.