تخطى إلى المحتوى

رفع الدعم: معالجة للنتائج من دون بحث الأسباب

رفع الدعم: معالجة للنتائج من دون بحث الأسباب
لكي يتوافق برنامج الترشيد ورفع الدعم عن السلع من دون انعكاسات أو تأثيرات سلبية على طبقات المجتمع، خصوصاً ذوي الدخول المحدودة، يتطلب ذلك ضرورة وجود نظرة مستقبلية شاملة، ولمعرفة انعكاسات هذا القرار فلننظر أولاً إلى إنفاقات الدولة خلال 14 عاماً، حيث سنجد انها ارتفعت من 4 مليارات دينار إلى 23 مليار دينار، أي بنسبة %475، وهذه الإنفاقات صبت أغلبها في بند الرواتب والأجور والبنود المساندة في بلد يقل فيه تطوير واستثمار المال، ما يعني سيولة ضخمة لم يتم توظيفها التوظيف الأمثل، ناهيك عن تدني عوائد الفوائد على الودائع، بما يعني مزيدا من السيولة انتقلت من ودائع في البنوك إلى السوق المحلي (بورصة وعقار)، أي أن مستوى السيولة متضخم من دون خلق توازن بين السيولة والتوظيف.

تم استثمار مبالغ كبيرة من تلك السيولة في البورصة، لكنها تحولت تدريجياً إلى القطاع العقاري، ففي عام 2024 كان حجم التداول في البورصة يفوق 37 مليار دينار، في حين انخفضت عام 2024 إلى 11 مليار دينار، والسبب في ذلك هو أن البورصة أصبحت منطقة طاردة للاستثمار، فهي محفوفة بالمخاطر يقودها الضعف المؤسسي للدولة في المحافظة على أموال المستثمرين وضعف درجة المحاسبة والرقابة، مما أدى إلى ظهور الشركات الورقية أو شركات العفن وتأخر إقرار قانون التفليسة والاعسار وعدم تفعيل قوانين الحوكمة وتداخل القرار السياسي مع القرار الاقتصادي، وتغليب القرار السياسي في اختيار الكفاءات وعدم وجود خطة لاحتواء الشركات المساهمة كمساهم رئيسي في خطة التنمية وتنشيط أعمالها، وعوامل أخرى أدت إلى تأثر رؤوس أموال المساهمين، بل أدت إلى حالات الاعسار في السداد، مما حدا بالحكومة بدلاً من أن تقوم بمعالجة الوضع ووضع الحلول ان أنشأت صندوق المعثرين برأسمال 300 مليون دينار، وصندوق الأسرة دخل في برنامج 38000 مدين، تم سداد 200 مليون دينار للبنوك لإنقاذ المؤسسات المالية من دون البحث عن الأسباب، فالمعالجات تكون للنتائج ولا يوجد من يبحث عن الأسباب ويضع الحلول، وهذا شكل إرهاقا آخر على ميزانية الدولة كان بالإمكان ألا يحدث.

كل هذا ادى الى تحول المستثمرين الى القطاع العقاري كجهة آمنة، فتوجهت هذه الاموال مع اموال الودائع لانخفاض العائد على الودائع الى %1.25 الى السوق العقاري في اتجاهين؛ اتجاه تغلب عليه المضاربة في السوق العقاري السكني، واتجاه الاستثمار لأصحاب الودائع واصحاب الاستثمار المستمر في السوق العقاري الاستثماري، بذلك وصلت العوائد على رؤوس الاموال المستثمرة في المضاربة في السكن من %25 – %30 سنويا، والاستثمار في العقار الاستثماري من %6 – %7.

وبالنظر الى احصائيات توجهات السيولة في السوق العقاري عام 2024 نجد حجم التداول في السوق العقاري قد وصل الى 4.447 مليارات دينار، فانتبهت الدولة الى المضاربة في السوق السكني من قبل الشركات فحضرت بقانون يمنع الشركات المساهمة من التعامل مع المساكن الخاصة، فتراجع التداول ليصبح 2.790 مليار دينار، مما يعني ان التراجع %32 هو مضاربة على العقار السكني، وهذا يعتبر من القرارات الجيدة التي تحافظ على مستويات المعيشة في الدولة، الا ان الامور تركت على ما هي عليه دون البحث الجاد في توظيف الاموال، فعاد التضخم في هذا القطاع، فاصبح العقار السكني هو المحرك الاساسي للسوق العقاري ويليه العقار الاستثماري، وهو بلا شك يعطي اشارة واضحة الى مدى حاجة السوق الى تشريعات جديدة للحد من هذا التضخم، مثل قانون حظر بيع الاراضي المشتراة الا بعد التطوير او مرور مدة من 3 – 5 سنوات، كما هو معمول به في بعض دول الخليج، او حظر التمويل البنكي للسكن الخاص الذي بحدود 360 الف دينار، كما هو معمول به في بريطانيا للمحافظة على السوق السكني من الزيادة او الضريبة التصاعدية على قطاع السكن الخاص، او ما شابه من قوانين مما يضع حدا لتضحم اسعار والفقاعات السعرية في السكن الخاص التي لا تعكس بالضرورة الطلب الحقيقي على السكن وتتفاقم الازمة.

وبالنظر الى احصائيات حجم التداول عام 2024 نجد ان السكن الخاص يمثل %5 من اجمالي الصفقات، والاستثماري %36، ونستنتج من هذه الارقام معرفة سلوكيات المستثمرين في السوق حيث بالرجوع الى سعر بيع المتر للسكن الخاص نجد ان سعر المتر قفز في مدة لا تتجاوز 5 سنوات من 400 دينار الى ما يقارب 900 – 1000 دينار، وبالنظر الى الاختلالات في توازن السيولة مع التوظيف وحجم التدفقات النقدية الحكومية وحجم الودائع المسيلة، نجد ان هذا انعكس على القيمة الايجارية فارتفع المتر التأجيري من 1.5دينار الى 4ــ5 دنانير بما يعني ارتفاع ايجار الشقة من 300ــ350 ديناراً الى 700ــ800 دينار، وحتى لا نذهب بعيدا عن الموضوع الاساسي وهو اسعار الدعم والاسر محدودة الدخل او الموظفين الشباب، نجد ان متوسط الرواتب لرب الاسرة 950 دينارا لاسرة تتكون من 5 افراد وحسب معادلة الصرف فإن الاسرة بحاجة الى:

ايجار سكن + غذاء + اجور خادمة + قسط سيارة + ملابس + اخرى، وبالبحث في البند الاول وهو الايجار دون بقية البنود نجد انه تكون عجز في الالتزلامات الشهرية، هذا يعني ضرورة معالجة بند الايجارات وهذه لها عدة معالجات مع الاسباب السابقة، حيث ان النتجية ادت الى زيادة نسب المتعثرين عن السداد.. فحسب الاحصائيات هناك بحدود 61111 مواطنا صادرة بحقهم اوامر ضبط واحضار، وان هناك ما يقرب من 65409 مواطنين ممنوعين من السفر و9000 اسرة استفادت من مساعدات بيت الزكاة عام 2024، وان نسب الطلاق قد ازدادت في عام 2024 مما زاد معها حجم المساعدات التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية،حيث بلغت نسبة المساعدات المقدمة للمطلقات فقط %25 من اجمالي المساعدات العام لوزارة الشؤون بمعدل يصل الى 50 حالة شهريا.

فإن اقر رفع اسعار الدعم دون عمل توازنات وبحث الاسباب، فسوف تزيد حجم المشاكل، فالزيادة المرتقبة في البنزين في مجتمع يصل فيه نسب الشباب الى ما يقرب من %35 سوف يترتب عليه المزيد من العنف في السلوك وانتشار التسكع والجريمة الاجتماعية والهروب الى المخدرات، خصوصا ان الدولة لم تبحث جديا في استغلال اوقات فراغ الشباب في انشطة مجدية ونافعة لهم، مما يعني ان هناك كثيرا منهم يعتبر السيارة هي المتنفس الاساسي له في كثير من الاوقات، وفي حال زيادة الاسعار ورفع الدعم فإن رب الاسرة سوف يعجز عن تلبية احتياجات ومتطلبات الاسرة ويسبب ارهاقا ماديا له ولاسرته وضغوطا لا حصر لها، وبالتالي سوف يتوجه الى سلوكيات غير حميدة، وكذلك ارتفاع نسب العاطلين عن العمل من الشباب الكويتي.

ونجد ان معدل استخدام السيارة في الكويت بحدود 30000 كيلو متر سنويا اي انها تستهلك حاليا بسعر اللتر 65 فلسا بحدود 355.68 دينارا سنويا، وفي حال رفع سعر اللتر الى 165 فلساً فإن الاستهلاك سوف يصل الى 930.024 دينار سنوياً، مما يشكل عبئاً مادياً اضافيا على الاسر محدودة الدخل.

محمد احمد المخيزيم

باحث اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.