تخطى إلى المحتوى

%50 من حقول النفط الصخري تتعثر عند برميل بـ 60 دولاراً

%50 من حقول النفط الصخري تتعثر عند برميل بـ 60 دولاراً
مع التراجع المتسارع لأسعار النفط إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ 2024، فإن كثيراً من المحللين يخمنون بتصورات توصل سعر البرميل إلى 50 دولاراً. هذا التوقع قد يؤدي إلى توتر عالمي خطر بسبب اعتماد موازنات الكثير من الدول على تقدير مرتفع لسعر النفط لم يأخذ في الحسبان مستوى الأسعار الحالية، وهو الوضع الذي سيؤثر بالتأكيد على التزاماتها المالية.

يتسم سوق النفط بالتعقيد وصعوبة التحليل والفهم، خصوصاً أثناء مجريات الحدث، إلا أنه من الممكن وصف السوق بلعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، تعد فيها السعودية وروسيا والولايات المتحدة ملوكاً في اللعبة، لكون كل واحدة منها تنتج أكثر من 10 ملايين برميل باليوم، وتمثل حصصها ما يفوق %36 من إجمالي إنتاج العالم.

الأسباب الرئيسية لتراجع أسعار النفط مبنية على أن حساب كميات النفط الخام المتاح في السوق اكثر من الطلب عليها. ويمكن تفصيل عناصر زيادة الكمية إلى خمسة عناصر:

1 – تباطؤ النمو الاقتصادي في آسيا، وتحديداً في الصين واليابان.

2 – الزياده في إنتاج ليبيا المفاجئ بمقدار %40 في سبتمبر الماضي.

3 – دخول 3 ملايين برميل فوق طاقة استيعاب طلب السوق من النفط الصخري الأميركي.

4 – إعلان إيران عن نواياها وخططها لزيادة إنتاجها، نتيجة تخفيف العقوبات الدولية.

5 – تصريف العقود الآجلة للنفط خشية زيادة الكميات في السوق من غير وجود طلب.

رغم القيادة السعودية الواضحة لاتجاهات السياسة النفطية في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ودورها في التحكم بحجم الإنتاج، فإن أزمة التراجع السعري لم تكن نتيجة قرارات صادرة عن المنظمة، ولكن السياسة المتخذة من أوبك بعدم تخفيض إنتاجها سبب صدمة ذات أثر أساسي في استمر نزيف الأسعار. حالياً، تنتج أوبك 30 مليون برميل من النفط يومياً وهو ما يمثل ثلث الإنتاج العالمي والمقدّر بـ90 مليون برميل. ولحسن حظ الكويت، فإن تحليلات نقطة تعادل إنتاجية سعر البرميل قدرت عند 53 دولاراً، مما يساعدها على تنفيذ خطة أوبك في استمرار الإنتاج من دون الرجوع على احتياطي الدولة الاستراتيجي.

ومن الناحية الأخرى، فإن نقطة التعادل للسعودية هي ما بين 80 إلى 95 دولاراً، وفق تحاليل Routers. وترجع قدرة السعودية على تحمل الضغط من نزول أسعار النفط إلى فوائضها المالية السابقة واحتياطياتها وحسابها الجاري المقدّرة بثالث أكبر حساب عالمياً.

السؤال وفق هذه المعطيات الآن هو: لماذا تتبنى الكويت والسعودية هذه الخطة في مواجهة انخفاض أسعار النفط؟ تأتي الاجابة على شقين بين أهداف معلنة وأهداف غير معلنة. الهدف المعلن والمصرّح به هو الحفاظ على حصتهما في السوق مع توقع تصريف الزياده بالإنتاج وعودة ارتفاع أسعار النفط مجدداً. ففي نوفمبر الماضي، أصدر بنك كريديت سويس Credit Swiss توقعاته العالمية لعام2020، حيث توقعت استقرار سعر نفط برنت Brent Crude عند 92 دولاراً للبرميل، وهو ما يعتبر أقل من متوسط السنوات الثلاث الماضية، حيث كان عند 110 دولارات للبرميل وأقل بمعدل %12 من متوسط عام 2024 المقدّر بـ103 دولارات للبرميل.

أما الهدف غير المعلن، فهو إجبار الدول المصدرة للنفط، سواء كانت من أوبك أو خارج المنظمة على خفض إنتاجها الحالي والذي سيتيح الفرصة للكويت والسعودية تغطية أي نقص ناتج في السوق من مخزونها النفطي. لأن تراكم الالتزامات المالية واختناق موازنات الحكومات الأخرى سيغير توجهها إلى التركيز على مصادر الدخل الاخرى وتخفيض المصاريف غير الطارئة، والتي ستؤثر سلباً في مشاريع زيادة الانتاج وايقاف الانتاج في الحقول غير المربحة.

وفي تصريح لإد مورس رئيس قطاع الدراسات لسيتي غروب، أشار إلى أن حقول النفط الصخري في أميركا تدخل في الخساره عند 80 دولاراً للبرميل، وأن ما يقارب نصف الحقول سيتعثر عند هبوط أسعار نفط برنت إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل اي ما يعدل 3 ملايين برميل من الطاقة الانتاجية. وهذا يعني ان انتاج النفط الصخري سيمنى بخسائر وأن استيراد النفط سيظل اكثر جدوى، وهذا من مصلحة الدول المسيطرة على تصدير النفط الخام الرخيص نسبياً مثل الكويت والسعودية.

ومع استمرار بيع نفط الكويت والسعودية بأسعار منخفظة لدول آسيا وأوروبا للحفاظ على حصص السوق والذي سيؤدي إلى استمرار انخفاض سعر النفط، فإن ناتج هذه العمليه سيؤثر سلباً على المشاريع النفطية الجديدة في الدول التي تسعى إلى زيادة انتاجها مثل إيران والعراق، أي الحفاظ على وقف زيادة الحصص والحفاظ على الاحتكار ومستويات الإنتاج القائمة.

وأوضح إد مورس في تقرير سيتي غروب نقاط تعادل جميع مشاريع العالم النفطية لغاية سنه 2024. ومع تدهور أسعار النفط ستبدأ الشركات العالمية بالبحث عن شركاء لتعويض رؤوس أموالها ولاستمراريتها. وكون السعودية والكويت تمتازان بحيازة السيولة والخبرة في هذا المجال، فمن الطبيعي أن تتوجه هذه الشركات العالمية إليهما، مما سيزيد من نفوذ وسيطرة الكويت والسعودية على سوق النفط العالمي.

والكثير لا يعلم أن الصناديق السيادية والمؤسسات الحكومية الكويتية والسعودية تتداول في أسواق النفط ولها حصة مؤثرة خارج نطاق أوبك. فعلى سبيل المثال استحوذت الكويت في الأشهر الماضية على حصة %30 من النفط الصخري الأميركي، كما أعلنت الصحيفة الكندية سي جي إم. وأضافت صحيفة الفايننشال بوست في أكتوبر أن الكويت تتمتع بمحفظة من 60 مشروعاً موزعة في أوروبا وآسيا وأستراليا والشرق الأوسط.

في الختام، يمكن الاستنتاج بأن السعودية والكويت تستفيدان سواء بطريقه مباشرة أو غير مباشرة من نزول أسعار النفط، وذلك عن طريق استغلال فوائضها المالية العالية في زيادة حصصها في سوق النفط العالمي، مما يؤدي إلى زيادة قوتها وسيطرتها عند الحاجة في المستقبل.

باسل اليوسفي

basil@j-alyousfi.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.