تخطى إلى المحتوى

«الوجه الآخر للحلم» وطن مكلوم وروح ممزقة

«الوجه الآخر للحلم».. وطن مكلوم وروح ممزقة
خليجية «الوجه الآخر للحلم» مجموعة قصصية جديدة للأديبة سماء علي سليمان، صدرت مؤخراً عن دار التكوين، وتضم ثلاث عشرة قصة قصيرة، وقد حازت على جائزة مجلة دبي الثقافية لعام 2024.

رصدت قصص المجموعة انفعالات نفس تتنازع فيها ذكريات ماضٍ جميل يعاودها الحنين إليه باستمرار، وحاضر قاسٍ مفعم بآلام الغربة وهواجسها من جهة، وانعكاس ما يجري في الوطن العربي وسوريا من أحداث مؤلمة من جهة ثانية.

تفاصيل الحياة

في معظم قصص المجموعة، التي جاءت أشبه ما تكون بيوميات ومذكرات وخواطر سطرتها الكاتبة، نقرأ حنينها لموطن نشأتها وطفولتها دمشق، من خلال استحضار صورة البيت والشارع والسوق وكل تفاصيل الحياة البسيطة، وصور النوافذ والمشربيات الدمشقية التي تنبعث منها رائحة الياسمين والقهوة وأغاني الصباح.

وكذلك الحنين للأسرة التي تفتقدها ــ بحكم إقامتها في فرنسا ــ فنلحظ على امتداد القصص استحضار وجه الأم وصوتها وصورة الأب والأخت والعم. ولعل في ترتيب القصص ما يوحي بتصاعد الانفعال الشعوري في نفس الكاتبة، فقد جاءت القصة الأولى «رجل يدعى أبو عمر» لاستحضار ذكرى «الأم أو الجدة»، وذكريات ماضٍ مازالت تفاصيله حية في نفس البطلة / الكاتبة بكل ما فيه من حب وجمال ومكابدة لامرأة وأدت مشاعرها في صندوق خوفاً وخجلاً من قيود مجتمع شرقي يحاسبها على خلجات شعورها وخفقان قلبها حتى وان ترملت وهي شابة.

الحياة في الغربة

بالاضافة الى محور الحنين إلى المكان والزمان ــ الذي يشكل قاسماً مشتركاً في قصص المجموعة كلها تقريباً ــ يبرز محور ثانٍ لا يقل حضوراً وظهوراً عن سابقه، وهو حالة القلق والتوتر والشعور بالوحدة والملل لفتاة تعيش في الغربة بعيدة عن أهلها ووطنها، والمحوران يتشابكان بالضرورة، فهذه المعاناة مع الغربة والوحدة والاحساس الكبير بالفراغ وعدم الاستقرار، حتى ان بعض عناوين القصص جاءت معبرة عن هذه المشاعر كقصة «سأم» و«ليل» وغيرهما.

هذه المعاناة لا تجد مهرباً ومنفذاً لها سوى الحنين إلى الماضي ـ مكاناً وزماناً ـ لتلجأ إليه تخلصاً من الواقع.

الصرخة الأخيرة

أما المحور الثالث، الذي يتمم هرم الانفعال الناظم للمجموعة، فهو انعكاس الأحداث المؤلمة في الوطن العربي عموماً، وسوريا خصوصاً، بعد أحداث ربيعها الذي أينع حروباً ودماراً وتشرذماً وبشاعة، وما تركته من شروخ وجروح عميقة في النفس، خصوصاً في القصة الأخيرة «حنة»، التي تمثل الصرخة الأخيرة المدوية، والتي تسكب فيها براكين قهرها وصور انكسارها مما يحدث.

تقول فيها: «ثلاثة أعوام انقضت أنستني لون جلدي وعينيّ وتقاطيع وجهي.. أنستني الاسماء وكل العناوين..

ثلاثة أعوام انقضت، سفحت كل ما اختزنته ذاكرتي من تفاصيل.. عبأت تلافيف دماغي دخاناً، قمامة..».

ثم تتساءل وهي ترقب من مغتربها لحظة بلحظة ما يحدث في وطنها: «هل ما يزال موجوداً هذا الوطن؟ هل مازلت أنتمي؟ أوَ يكون شعوري الحاد بالانسلاخ صورة من صور انتمائي؟».

عبثية الواقع

كل هذه التداعيات والتمازجات بين الحلم والواقع، بين الوعي واللاوعي، بين اليقظة والنوم، عبّرت عنها سماء سليمان بلغة سلسة طيّعة رصدت أدق خلجات النفس وأعلاها توتراً، واحساس مرهف وانفعال شديد بهموم الغربة والشوق والحنين للوطن الصغير (الأسرة)، والوطن الكبير المكلوم والمرزوء بما فاق التصور والخيال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.