أخلاق النبى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، وأخلاق القرآن التى كان عليها أهل القرآن الذين تشبهوا بالنبى العدنان صلى الله عليه وسلم فأصبحت أخلاق نبيهم وقرآنهم مطبوعة على وجوههم ومقروءة من أفعالهم من قبل أن تنطقها ألسنتهم
يقول سيدنا أبو بكر رضي الله عنه :{يَا رَسُولَ الله ، لَقَدْ طِفْتُ في العَرَبِ وسَمِعْتُ فُصَحَاءَهُمْ فَمَا سَمِعْتُ أَفْصَحَ مِنْكَ فَمَنْ أَدَّبَكَ؟ قال: أَدَّبَنِي رَبِّـي ، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ}{1}
وتعجب من ذلك علىٌ وعمر رضي الله عنهما ، فسأله علىٌ يوماً بعد لقائه بوفد بنى نهد: {يا نبيَّ الله نحنُ بنو أب واحد ونشأنا في بَلد واحِد وإنَّك لتكلِّم العربَ بلسان ما نفهَم أكثره ، فقال إنَّ الله ادَّبني فأحسن تأديبي ونشأت في بني سعيد بن بكر}{2}
{فقال له عمر يا رسول الله كلها من العرب فما بالك افصحنا فقال اتاني جبريل بلغة اسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني اياها}{3}
واخيراً الرواية المعروفة والمشهورة ، أجاب صلى الله عليه وسلم : {أَدَّبَنِي رَبي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي ثمَّ أمَرَنى بمَكَارِمِ الأخْلاق}{4}
أدَّبه ربُّه عز وجل على الأخلاق الكاملة ، ففى مضمار العبادة لا يستطيع أحد من كان على مدار الزمان والمكان أن يقوم بما كان يقوم به صلى الله عليه وسلم من العبادات فكان يقوم الليل حتى تتورم أقدامه وكان يصوم صيام الوصال ويقول: {إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني}{5}
وهنا لطيفة عارضة: تلك الرواية التى يصححها الأئمة وهى أنه كان يضع الحجر على بطنه ، كيف يضع الحجر على بطنه وهو يبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه؟ لكنه حدث تحريف للرواية – قبل أن يستعمل تشكيل الحروف- حيث كان صلى الله عليه وسلم يضع "الحُجُزَ" على بطنه ، أى الحزام المعروف ، فحرَّفوها وقالوا أنه كان يضع الحجر على بطنه ، فهل كان صلى الله عليه وسلم يجوع حتى يضع الحجر على بطنه؟ بل كان صلى الله عليه وسلم يبيت جائعاً ويصبح طاعماً
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن ذكر الله طرفة عين ، تنام عينه وقلبه لا ينام ومع ذلك وهذا هو الشاهد من حديثا هنا ، مع أنه لايجار ولايبارى فى عبادته لمولاه ولكن عندما مدحه خالقه وباريه الذى يعلم بعبادته هذه ؛ عندما مدحه ، بماذا مدحه؟ مدحه بالصورة المعنوية فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4
لم يقل الله له أنت ذو خُلق عظيم أى صاحب خُلق عظيم ، وإنما قال "على" أى أعلى من الخُلق العظيم ، انظر إلى شكل الخُلق العظيم عند الناس فى كل زمان ومكان فأنت أعلى من هذا الخُلق ، وفى القراءة القرآنية الثانية: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقِ -بكسر القاف- عَظِيمٍ} والعظيم هو الله ، فأنت على خُلقِ الله العظيم جلَّ فى علاه
فكان صلى الله عليه وسلم على خُلق الله ، وهذا هو الوصف الذى وصفه به مولاه ، ولذلك ما البُشْريات التى بشَّر الله بها السابقين فى التوراة والإنجيل؟
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: أجل :{والله إنه لموصوف في التوراة؟ بصفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ـ ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق ـ ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملَّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً}{6}
إذاً كان وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال فى سر بعثته: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}{7}
{1} أَخرجه ابن عساكر من طريق محمَّد بن عبد الرَّحمن الزَّهري عن أبـيه عن جدِّه ، الدرر المنتثرة ، وأخرج ثابت السرقسطي في الدلائل بسند واه أن رجلا من بني سليم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيُدالِك الرجلُ امرأتَه قال نعم إذا كان ملفحا ، فقال أبو بكر: يا رسول الله ، ما قال لك وما قلت له قال: قال لي أيماطل الرجل امرأته قلت نعم ، إذا كان مفلسا ، قال فقال أبو بكر رضي الله عنه ما رأيت أفصح منك فمن أدبك يا رسول الله قال أدبني ربي ونشأت في بني سعد {2} المقاصد الحسنة للسخاوي ، قال العلماء: وقوله نشأت فى بنى سعيد ، هم يعرفون ذلك ولكن ليؤكد للأمة من بعدهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلب العلم أو الأدب من أى مصدر ولم يجالس المعلِّمين ولم يأخذ عن المربين وإنما ذاك من تعليم ربِّ العالمين {3} كتاب مرآة الزمان واخرجه العلامة شمس الدين يوسف بطرق كلها تدور على السدي عن ابي عمارة الحيواني عن علي بن ابي طالب ، اللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة {4} ابن السَّمْعَانِي في أَدَبِ الإمْلاَءِ عن ابن مسعُود ، جامع الأحاديث والمراسيل {5} مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة {6} مسند الإمام أحمد {7} مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة