كنت – قبل عدة أيام – أقود سيارتي متجه إلى السوق لشراء بعض الحاجيات لأهلي ، ولفت نظري تلك السمراء التي تحاول عبور الشارع ، وهي تتلفت ذات اليمين وذات الشمال ، ومع أنها كانت سمراء شديدة السُمرة إلا أنها كانت جميلة جدا ، رشيقة جدا ، شعرها الفاحم (الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا) – على رأي الراحل نزار قباني – كانت تتغنج وتتمايل في مشيتها ، وكأنها تقول : انظروا إلى جمالي …
إلى رشاقتي …
إلى خدودي السمراء المكتنزة …
إلى شفتيّ السوداوين اللذين لا يصلحان إلا لشيئ لا داعي لذكره هنا …
غبت عن الدنيا عندما رأيتها …
انتابني شعور غريب …
لم أشعر به منذا زمن …
أهو الحب؟
ربما
أهو الرغبة؟
لعلها
لعلك – قارئ الكريم – تستغرب!!
سمراء تفعل بك كل هذا يا ميل جبسون؟
نعم ، ولِمَ العجب؟
ألم ترَ (نعومي كامبل) السمراء الرشيقة كأنها خيال
ألم تشاهد يوما (لاتويا جاكسون) الرائعة الابتسامة
إذاً ليس مقياس الجمال البياض والسمرة…
الجمال في الأنثى أن تكون أنثى حقيقية…
أنثى كما أراد لها الخالق أن تكون …
الغُنج …
الدلع …
النظرات السهمية …
هذه هي الأنثى …
وإلا فهي (جلمود صخر حطه السيل من علِ)
ما علينا …
نعود إلى سمراءتي الجميلة …
كانت أنثى بكل ما تحمله معاني الكلمات السابقة …
ولكن …
حصل ما حصل ..
ويا لهول ما حصل …
ليتني لم أخرج مساء ذلك اليوم لأرى ذلك المنظر الذي فتت قلبي …
ومزق أحاسيسي ومشاعري …
كانت السمراء تريد عبور الشارع
ولم تتنبّه لتلك السيارة التي كانت مسرعة تسابق الريح …
يا الله
يا الله
يا الله
انتبهي …
(خذي بالك…)
لا
لا
لا
ضربتها السيارة بمقدمتها
وبما أن السيارة كانت عالية فقد تلقت المسكينة الجميلة الضربة الهائلة على رأسها الجميل …
وتطاير شعرها الغجري المجنون
وسقطت تتلوى …
ما أقسى بعض المناظر في الدنيا …
أوقفت سيارتي …
وقد لجمتني الدهشة …
وعقدت لساني …
لم أستطع الخروج من سيارتي لهول ما رأيت …
بل أوقفتها في مكان عشوائي …
وسط الشارع …
وعيناي تنظران إلىالفراغ …
تصوروا …
هرب السائق المجرم …
لم استطع اللحاق به …
أحسست بتوتر أعصابي …
بردت قدمي …
وما عدت أشعر بهما …
أحسست كأنهما مكبلتان بطُنٍّ من حديد …
بركة من الدم تحت السمراء المسكينة …
الجميلة التعسة …
يا للهول …
وهي تنازع الروح …
تتلوى من الألم …
ليته كان بي ذلك الألم …
تتضرج المسكينة في دمائها …
وللعجب لم يقف أحد ليحاول إنقاذها !!!
ما هذا هل قست قلوب الناس لهذه الدرجة؟؟!!
بل إن أكثرهم رأفة ورحمة ألقى عليها نظرة بلهاء …
ثم أطلق لسيارته الريح …
أصابني غثيان رهييييييييب …
دوار شديد …
ظُلمة …
غبتُ عن وعيي …
ولم أفق إلا وذاك البطل الهمام الذي كان يجري …
ويعبر الشارع …
باتجاه السمراء المسكينة …
والتي أصبحت جثة هامدة …
وقفز من فوق الرصيف بكل شجاعة ..
.
.
.
.
.
.
.
.
وحمل ذلك البطل الشجاع السمراء …
وهي مضرجة بدمائها…
وذيلها …!!!
كان قد تلطخ بدمها الأحمر القاني …
حمل (عامل النظافة) (القطة السمراء المسكينة) وألقاها في كيس …
ثم حمل الكيس على ظهره ووضعه في سيارة القمامة …
مسكينة هذه القطة التي ذهب دمها هدراً بسبب سائق طائش متهور …
(تعيشوا وتاكلوا غيرها)
تحياتي لكم
واعتذاري أيضا