من الأعمال الصالحة في شهر رمضان وبيان ثوابها
رمضان هبة الرحمن لأهل الإيمان
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
نستكمل هذه سلسلة الأعمال الصالحة في شهر رمضان وبيان ثوابها؛ ومنها:
حال السلف الصالح مع القرآن في شهر رمضان:
حرص السلف رحمهم الله على الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان كما بيد ذلك الإمام الذهبي في" أعلام النبلاء" فمن ذلك:
كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ.
وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن.
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضر المصحف وجمع إليه أصحابه.
كان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمه.
قال أبي عوانة: شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان.
كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كلليلةٍ.
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهرثلاثين ختمة.
كان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة وقال القاسم بن علي يصف أباه ابن عساكر صاحب (تاريخ دمشق): وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة أو يختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية وكان الامام مالك بن انس لا يفتي ولا يدرس في رمضان ويقول هذا شهر القرآنوكان الامام احمد يغلق الكتب ويقول هذا شهر القرآن.
وقال ابن رجب الحنبلي: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنام للزمان والمكان وهذا قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأمة وعليه يدل عمل غيرهم[1].
وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: ينبغي لقارئ القرآنِ أنْ يُعْرفَ بليلهِ إذا النَّاسُ يَنامُون، وبنَهَارِهِ إذا الناسُ يُفطِرُون، وببُكائِه إذا الناسُ يَضْحَكون، وبوَرَعِهِ إذا الناسُ يخلطون، وبِصَمْتِهِ إذا الناسُ يَخُوضون، وبِخشُوعِهِ إذا الناسُ يَخْتالُون، وبحْزْنِهِ إذا الناسُ يَفْرحون.[2]
كثرة ذكر الله تعالى:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ"، قَالُوا: بَلَى، قَالَ:" ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى".[3]
كثرة الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ "قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ:" مَا شِئْتَ "قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ:" مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ "قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ:" مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ "قَالَ قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ:" مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ "قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ:" إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ".[4]
كثرة الاستغفار:
عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ فَرُّوخَ؛ انَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي ادَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ. فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه، وَحَمِدَ اللَّه، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ. قَالَ أبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِى.[5]
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن بار -رحمه الله-: أيها المسلمون إنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطايات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حًرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى كل خير؛ لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.[6]
والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبيه وخير خلقه في الدنيا ومن بعد الممات وعلى آله وصحبه الصالحين والصالحات.
[1] "لطائف المعارف" (ص/183).
[2] موقع الدرر السنية.
[3] صحيح: رواه أحمد في "المسند" (21750) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح غير أبي بحرية، والترمذي (3377)، وابن ماجة (3790) وصححه الألباني.
[4] حسن صحيح: أخرجه الترمذي (2457) وقال حديث حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك" (3578) وصححه ووافقه الذهبي، "مشكاة المصابيح" (929)، و" فضل الصلاة على النبي "رقم(14).
[5] مسلم (1007).
[6] "الإملاءات " موقع فضيلة الشيخ العلامة – ابن باز – رحمه الله -.