بسم الله الرحمن الرحيم
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "كنوز رمضان وأعمال البرِّ فيه"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل شهر رمضان، ثم تطرَّق إلى الأعمال الصالِحة التي اختصَّ بها شهرَ رمضان، أو زادَ أجرَها في هذا الشهر، مُستدلاًّ على ذلك بآياتٍ من الكتاب العزيز، وبعضَ أحاديث النبي – عليه الصلاة والسلام -، مُنبِّهًا في نهاية خطبتِه إلى خمسة أشياء هي دواءُ القلب.
https://www.youtube.com/watch?v=O-tC9qbgkdw
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوثقَى.
أيها المسلمون:
فضَّل الله الليالي والأيام بعضَها على بعضٍ، واصطفَى من الشهورِ شهرًا جعلَه قُرَّة شهورِ العام، خصَّه بمزيدٍ من الفضل والإكرام، نهارُه صيامٌ وليلُه قِيام، آياتُ الكتاب فيه تُقرأ وتُتلَى، تُغلَّقُ فيه أبوابُ النيران، وتُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، فيه تُضاعَفُ الأعمالُ، وتُكفَّرُ الخطايا والأوزار.
موسِمُ العفو والغُفران، شهرُ الخير والبركات، تخرُجُ النفوسُ فيه من الغفلة والكسَل إلى حلاوة العبادة. فالألسُنُ فيه ضارِعة، والنفوسُ مُقبِلة، وللعبادةِ فيه لذَّة، ولها في النفسِ بهجةٌ، وفي الوقتِ بركة.
وإخلاصُ الأعمال لله من صيامٍ وغيره أصلٌ في الدين، ولذلك أمرَ الله رسولَه بالإخلاصِ في قوله: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر : 2].
وأُمِر النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أن يُبيِّن أن عبادتَه لله قائمةٌ على الإخلاص، فقال له: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر : 11].
وبذلك أُمِرضت جميعُ الأُم؛ قال – جل وعلا -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : 5].
والصلاةُ منزلتُها في الدين بعد الشهادتين، وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يأمرُ بها في أوائِل دعوتِه؛ "قال هِرقلُ لأبي سُفيان: بمَ يأمرُكم به؟ يعني: النبيَّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: بالصلاةِ، والزكاة، والعفافِ، والصِّلة"؛ متفق عليه.
وهي أحبُّ الأعمال إلى الله؛ سُئل النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاةُ على وقتِها، ثم بِرُّ الوالدَين»؛ متفق عليه.
والزكاةُ قرينةُ الصلاة في كثيرٍ من آي القرآن، وأصلٌ من أركان الإسلام، تُطهِّرُ النفسَ من البُخل والشُّحِّ، وتُنمِّي المالَ وتحفَظُ؛ قال – جلَّ شأنُه -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة : 103].
تقِي المرءَ من عقوباتِ الذنوبِ، وتصرِفُ عنه عظيمَ المصائِب والكُروب، وتُيسِّرُ له الأمور؛ قال – عز وجل -: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل : 5- 7].
ورمضانُ زمنُ البذل والعطاء، كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أجودَ ما يكونُ في رمضان.
وكل إنفاقٍ فهو مخلوفٌ عند الله، وقرضٌ مُستردُّ، والمالُ يزيدُ بالصدقة ولا تُنقِصُه، والمرءُ في صدقَته يوم القيامة.
في رمضان عباداتٌ تُكفِّرُ الخطايا؛ فصيامُه يغفِرُ الزلاَّت والأوزار؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»؛ متفق عليه.
ومن حافظَ على صيامِه كان وِقايةً له من النار؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «الصيامُ جُنَّة»؛ متفق عليه.
قال ابن حجرٍ – رحمه الله -: "إذا كفَّ نفسَه عن الشهوات في الدنيا، كان ذلك ساتِرًا له من النار في الآخرة".
ومن صلَّى في ليلِه غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»؛ متفق عليه.
قال النوويُّ – رحمه الله -: "والمُرادُ بقِيام رمضان: صلاةُ التراويح".
شهرٌ مُباركٌ، العُمرةُ فيه تعدِلُ حجَّةً؛ قال – عليه الصلاة والسلام – لامرأةٍ من الأنصار: «ما منعَكِ أن تحُجِّين معنا؟»، قالت: كان لنا ناضِحٌ فركِبَه أبو فلانٍ وابنُه – لزوجِها وابنِها -، وتركَنا ناضِحًا ننضَحُ عليه، قال: «فإذا كان رمضانُ اعتمِري فيه؛ فإن عُمرةً في رمضان حجَّة»؛ رواه البخاري.
قال ابن الجوزيُّ – رحمه الله -: "فيه أن ثوابَ العمل يزيدُ بزيادة شرفِ الوقت، كما يزيدُ بحُضور القلب، وبخُلوصِ القصد".
وكتابُ الله الكريم أُنزِلَ في رمضان؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة : 185].
وهو زمنُ الإكثار من تلاوتِه؛ كان جبريلُ يُدارِسُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فيه. وكلما تلا المُسلمُ كتابَ الله ارتقَى في الجنَّة؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «يُقال لصاحبِ القرآن: اقرأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزلتَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها»؛ رواه أحمد.
والدعاءُ مِفتاحُ الفرَجِ، وسُلَّمُ الصعودِ للخيراتِ، والله تفضَّل بإجابةِ دعوة الصائم؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصائمُ حتى يُفطِر، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلُوم يرفعُها الله فوقَ الغَمام، ويفتَحُ لها أبوابَ السماء، ويقولُ الربُّ: لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ»؛ رواه الترمذي.
ومن كرمِ الله أن يزيدُ الفضائلَ في رمضان؛ فجعلَ العشرَ الأواخرَ منه صفوةَ الشهر؛ ففيها ليلةٌ العبادةُ فيها تعدِلُ عبادةَ ألف شهر، ولقدرِها عند الله يكثُرُ تنزُّلُ الملائكةِ في هذه الليلة لكثرةِ بركتِها، والملائكةُ يتنزَّلون مع تنزُّل البركة والرحمة.
وكان – عليه الصلاة والسلام – يعتكِفُ في العشر الأواخِر يتحرَّى ليلةَ القدر؛ قالت عائشةُ – رضي الله عنها -: "كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يعتكِفُ في العشر الأواخِر من رمضان حتى توفَّاه الله"؛ متفق عليه.
قال ابن بطَّال – رحمه الله -: "فهذا يدلُّ على أن الاعتِكافَ من السُّنن المُؤكَّدة؛ لأنه مما واظَبَ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فينبغي للمُؤمنين الاقتِداءُ في ذلك بنبيِّهم".
ففي الاعتِكاف قطعُ العلائِق عن الخلائِق للتفرُّغ لعبادةِ الخالق، وإذا قوِيَت الصلةُ بالله رضِيَ الربُّ عن العبدِ.
قال ابن شهابٍ – رحمه الله -: "عجبًا للمُسلمين، تركُوا الاعتِكافَ، والنبيُّ – صلى الله عليه وسلم – لم يترُكه منذ دخلَ المدينةَ كلَّ عامٍ في العشر الأواخِر حتى قبضَه الله".
واحذَر خوارِقَ الصوم ومُفسِداته، وإياكَ أن تقعَ في أعراضِ المُسلمين، واحفَظ لِسانَك وسمعَك وبصرَك عمَّا حرَّم الله.
قال الإمام أحمد – رحمه الله -: "ينبغي للصائِم أن يتعاهَد صومَه من لِسانِه، ولا يُمارِي في كلامِه، كانوا إذا صامُوا – أي: الصحابة – قعَدوا في المساجد، وقالوا: نحفَظُ صومَنا ولا نغتابُ أحدًا".
ومن بُلِيَ بسُوءٍ من أحدٍ، فلا يُقابِله بمثلِ سَوءَته؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو شاتَمَه فليقُل: إني صائِم»؛ رواه البخاري.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : 133].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
دواءُ القلب في خمسة أشياء: قراءةُ القرآن بالتدبُّر، وخُلُوُّ البطن، وقِيامُ الليل، والتضرُّع عند السَّحَر، ومُجالسةُ الصالِحين.
وليكُن لك في شهر الصوم عملٌ وتهجُّدٌ وقُرآن، فاجعَل شهرَ صومِك عملاً مُتواصِلاً ضدَّ شهوات النفس، وانقِطاعًا إلى الله بالعبادة والطاعة، ومُدارسةً لآيات التنزيل، وقِيامًا مُخلِصًا بالليل. فهو موسِمُ التوبة والإنابة، وبابُ التوبة مفتُوح، وعطاءُ ربِّك ممنُوح.
فبادِر بالعودة إلى الله واطرُق بابَه، وأكثِر من استِغفارِه، واغتنِم زمنَ الأرباح؛ فأيامُ المواسِم معدُودة، وأوقاتُ الفضائِل مشهُودة، وفي رمضان كنوزٌ غالِية، فلا تُضيِّعها باللهو واللعِب وما لا فائِدةَ فيه، واللَّبيبُ من نظرَ في حالِه وفكَّر في عيوبِه، وأصلَح نفسَه قبل أن يفجَأه الموتُ.
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، واجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ ورخاءٍ وازدِهارٍ، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والهُدى يا ربَّ العالمين.
اللهم تقبَّل منَّا صيامَنا، وقيامَنا، واجعَل القرآنَ العظيمَ شافعًا لنا يوم القيامةِ وفي قُبورِنا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة : 201].
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميع ولاةِ أمور المسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكرُوه على آلائِه ونعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[/COLOR]
المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية
منقوووول
.