هل
فقدت «أوبك» قدرتها على التحكم في أسواق النفط؟
اذا كانت اتحادات المنتجين أو الصناعيين لا تستطيع التحكم في الانتاج، فانها لن تستطيع التحكم بالأسعار، وسيأتي وقت ستنهار فيه، وعادة ما يصاحب عملية الانهيار تلك قدر كبير من سوء النية. وما تبين خلال الأشهر الستة الأخيرة هو أن «أوبك» لا يمكنها التحكم في الأسواق.
البعض في «أوبك» يعتقد أن انخفاض سعر برميل النفط من شأنه أن يستنزف الموردين المنافسين، لكن ذلك يبدو وكأنه لم يكن سوى مبرر بعد أن أن تبين عدم قدرتهم على التحكم وضبط تراجع الأسعار. والسؤال المطروح حاليا هو كيف يمكن لعملية التكيف مع المستوى الجديد للأسعار أن تتم وتنجح؟
النقطة الأولي والواضحة هي أن التكيف سيكون مؤلما للغاية بالنسبة لأولئك الذين اعتمدوا على سعر محدد عند 100 دولار للبرميل أو أكثر.
وكما بينت «فايننشال تايمز» الأسبوع الماضي، فان2020 لن يكون عاما سهلا بالنسبة لفنزويلا والجزائر وروسيا طبعا. فمن الواضح أن روسيا باتت هي الضحية الأولى لهذه الأزمة، كحال «ليمان براذرز» في أزمة 2024، بعد أن تمكنت قوى خارجة عن ارادتها من أن تُركع قوة عظمى وتجعلها تجثو على ركبتيها.
وتتميز هذه المرحلة بالميزانيات المعطلة والسمعات المتدهورة. وسيكون أمرا قاسيا تسمية البنوك وشركات الاستشارات التي توقعت في بداية العام أن يصل سعر النفط الى 150 دولارا أو الشركات التى أقدمت على خفض عملياتها وعمالتها استنادا الى أسعار للنفط «لايمكن» أن تقل عن 100 دولار.
الفصل الثالث في دراما صناعة النفط انتهى. فالأول كان يدور حول قصة الرواد الأوائل، روكفلر ونوكز دارسي وماركوس صامويل والبقية. وتمحور الفصل الثاني حول الشقيقات السبع الذي تمثل في بروز وانتصار الشركات العالمية. أما الفصل الثالث الذي ساد خلال الأربعين سنة الماضية، فكان عصر «أوبك».
لكن المسرحية لم تنته بعد. فالستارة سترفع قريبا عن الفصل التالي، الذي أعتقد، ربما افراطا في التفاؤل، أنه سيمثل عصر الواقعية. ففي الفصل الرابع ستحدد حقائق السوق الأساسية للعرض والتكلفة والطلب أسعار النفط.
العمل التجاري يبدأ بالطلب. ورغم أن الاستهلاك لا ينمو بالسرعة التى توقعها كثيرون، ومن غير المتوقع حاليا أن يتجاوز 100 مليون برميل يوميا (مقابل 90 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن)، فان هذا المستوى من الطلب سيدوم لعقود من الزمن ويمثل كميات ضخمة من النفط.
الطلب سيستمر، على الرغم من المكاسب التي ستتحقق على صعيد كفاءة وفعالية الاستهلاك، بفضل مزيج النمو السكاني وانتشار الازدهار والرخاء. أوروبا قد تشهد ركودا في هذين المقياسين، لكن الوضع لن يكون كذلك في آسيا وأفريقيا.
يزداد عدد سكان العالم بواقع يزيد على 200 ألف نسمة يوميا. وهو ما يعني أنه مع قضاء القارئ لنصف ساعة في قراءة «فايننشال تايمز»، سيكون هناك أكثر من 4 آلاف قادم جديد الى هذه الحياة. الجنس وعواقبه محرك اقتصادي أساسي، خصوصا عندما يقترن ذلك بالخروج من دائرة الفقر وهو الأمر الذي يحدث في أجزاء كبيرة من آسيا. وبحسب تقديرات تقريبية، سيكون هناك 250 مليون مستهلك جديد على الأقل للطاقة التجارية كل عام.
وفي الوقت الراهن، المصدر المهيمن لتلك الطاقة يأتي من الوقود الأحفوري. ولايزال علينا أن ننتظر لنرى ان كانت الآمال المعلقة على اجتماع ليما لخفض انبعاثات الكربون من أجل تحول منظم الى عالم خال من الكربون واقعية أم لا. وسيكون ذلك موضوعا رئيسيا لعام2020، لكن المراقبين الأكثر تفاؤلا متفقون على أن التحول يحتاج الى عقود حتى يتحقق. وسيكون ذلك هو الفصل الخامس لم نصل اليه بعد. فحتى الآن نحن بالتأكيد لانزال في عصر الهيدروكربون.
استمرار الطلب هو أحد العوامل التي ستشكل الصناعة ورد الفعل على الوضع الراهن. العامل الآخر يتمثل في التكنولوجيا. ويبدأ ذلك بالتكنولوجيا التي ستجعل من الممكن تطوير مشاريع جديدة وفي كثير من الحالات معقدة عند سعر 60 أو 70 دولارا للبرميل، الذي يبدو أنه سيكون المقياس الأساس الجديد لعقد المقارنات. واعتقد أننا سنكون متشائمين جدا اذا ما اعتقدنا أن ذلك لايمكن تحقيقه.
سعر النفط انخفض في السابق، خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولم تغلق الصناعة أبوابها. المشاريع يتم تأجيلها الى أن تتضح الصورة، لكن يبدو أن مصارف مثل «غولدمان ساكس»، الذي تحدث الأسبوع الماضي عن الغاء مشاريع بقيمة تريليون دولار، يسيئون تماما فهم ما يجري. فالمشاريع لم تلغ. وما يحدث ببساطة هو أنه طلب من الفرق القائمة على المشاريع أن تأتي بحلول أقل كلفة، معظمها سيعتمد على التكنولوجيا. وفي معظم الحالات، كما حصل من قبل، سينجحون في الوصول الى تلك الحلول. والقدرة على التقدم التقني التدريجي في الصناعة يحدث بصورة لافتة للأنظار.
وبالعودة الى اجتماع ليما، هناك ثورة تقنية منافسة في مجال الطاقة المتجددة. فيوما ما سيجعل التقدم في الطاقة الشمسية أو أشكال الانتاج الأخرى (أو تخزين ما تم انتاجه بالفعل) من مصادر الطاقة المتجددة قابلة للتطبيق والاستمرار دون الاعتماد الحالي والمعطل على السياسات العامة. وأجد نفسي مذهولا أمام تنوع التقدم التقني الذي أقرأ عنه كل أسبوع.
على المدى البعيد، سيحدث الأمرين التاليين: ستنخفض تكلفة انتاج الهيدروكربون ومعها أيضا تكلفة مصادر الطاقة المتجددة. ولهذا السبب سنشهد قريبا عصر الوفرة في الطاقة. والسؤال الذي تواجهه الصناعة هو أي منها سيأتي أولا. واستنادا الى ادارة حكيمة للمخاطر، يتوجب على الشركات أن توازن محافظها، للتفكير والتحرك باتجاه استخدام التعبير القديم «مابعد البترول». وفي الوقت نفسه، يتعين على جهة ما أن تؤسس شركة عالمية متعددة الجنسيات لمصادر الطاقة المتجددة قادرة على أن تطرح التقدم الحاصل في هذا المجال في السوق العالمية.
وعموما، من الصواب أن ننهي العام بملاحظة متفائلة.2020 سيكون مؤلما مع استعداد الجميع لنهاية عصر منظمة أوبك. لكن المسرحية لم تنته بعد. الانتاج والتكنولوجيا مستمران والفائزون هم من سيغتنمون الفرصة ويعملون على تحويل الواقع الجديد لمصلحتهم.