التَّرغيب في الوَقَار ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
[ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قطُّ ضاحكًا،
حتى تُرى منه لهواته، وإنَّما كان يتبسَّم ]
((رياض الصَّالحين))
وقد قال الشَّيخ ابن عثيمين مُعلِّقًا:
[ يعني: ليس يضحك ضَحِكًا فاحشًا بقهقهة،
يفتح فمه حتى تبدو لَهاته ولكنَّه صلى الله عليه وسلم كان يبتسم
أو يضحك حتى تبدو نواجِذه، أو تبدو أنيابه،
وهذا من وَقَار النَّبي صلى الله عليه وسلم،
ولهذا تجد الرَّجل كثير الكَرْكَرة -الذي إذا ضحك، قهقه وفتح فاه-
يكون هيِّنًا عند النَّاس، وضيعًا عندهم، ليس له وقار،
وأمَّا الذي يُكثر التَّبسُّم في محله، فإنَّه محبوبٌ، تنشرح برؤيته الصُّدور،
وتطمئنُّ به القلوب ]
قال ابن حجر:
[ والذي يظهر من مجموع الأحاديث:
أنَّه صلى الله عليه وسلم كان – في مُعْظَم أحواله – لا يزيد على التَّبسُّم،
ورُبَّـما زاد على ذلك، فضحك، والمكروه من ذلك إنَّما هو الإكثار منه
أو الإفراط فيه؛ لأنَّه يُذهب الوَقَار ]
عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما :
أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إنَّ الهَدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد
جُزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة )
أي: أنَّ هذه الأخلاق الكريمة هي من صفات الأنبياء وآدابهم،
لذا طُلب من أتباع الأنبياء أن يقتدوا بهم، وأن يأخذوا بهذه الخصال الكريمة،
فالمقصود أنَّهم يتَّبعونهم، ويسيرون على منهجهم،
ويقتدون بهم في الأخلاق والأفعال والسِّمات والهدي والوَقَار،
فالهدي الصَّالح هو الطَّريقة الصَّالحة. ويقال: هَدْي الرَّجل:
حاله ومذهبه، أي: الحالة والطَّريقة التي هو عليها.
والسَّمت: الهيئة الحسنة، والوَقَار والسَّكينة التي تكون فيه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه :
عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
( أتاكم أهل اليمن، هم أرقُّ أفئدةً، وألين قلوبًا
الإيمان يمان، والحكمة يمانيَّة، والفخر والخُيَلاء في أصحاب الإبل،
والسَّكينة والوَقَار في أهل الغنم )
تخصيص الخُيَلاء بأصحاب الإبل، والوَقَار بأهل الغنم،
يدلُّ على أنَّ مخالطة الحيوان تؤثِّر في النَّفس،
وتعدي إليها هيئاتٍ وأخلاقًا تناسب طباعها، وتلائم أحوالها،
قلت: ولهذا قيل: الصُّحبة تؤثِّر في النَّفس، ولعلَّ هذا -أيضًا- وجه الحكمة
في أنَّ كلَّ نبيٍّ رعى الغنم، وخلاصة الكلام ورابطة النِّظام بين فصول الحديث:
أنَّ أهل اليمن يغلب عليهم الإيمان والحكمة،
كما أنَّ أهل الإبل يغلب عليهم الفَّخْر، وأهل الغنم يغلب عليهم السُّكون،
فمن أراد صُحبة أهل الإيمان والعِرْفان،
فعليه بمصاحبة نحو أهل اليمن على وجه الإيمان،
قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }
وعن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوَقَار،
ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا )