الفتــــــــــور في العبــــــــــادة
يشدنا الحماس إلى نوعٍ من أنواع العبادة فنحرص عليه ، متمثلين بقوله – صلى الله عليه وسلم – :
( اكلفوا من العمل ما تطيقون ؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا ، و إن أحب العمل إلى الله تعالى أدومه
و إن قل ) حديث صحيح .
إلا أن فتورًا قد ينتابنا فجأة ، فنتوقف عن ذلك العمل الصالح تمامًا ، و إن لم نتوقف فإننا نؤديه بتكاسل !
أتُرى هذا الأمر طبيعي ؟
قال النبي – صلى الله عليه و سلم – فيما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – : ( لكل شيء شرّة ، و لكل شرّة
فترة ، فإن صاحبها سدّد و قارب فارجوه ، و إن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه ) رواه الترمذي .
و الشرّة في معناها اللغوي هي النشاط ، بينما الفترة تعني الضعف .
و قد ذم الله سبحانه و تعالى المنافقين بتثاقلهم عن الصلاة و كسلهم فيها ، قال تعالى : ﴿ ( إن المنافقين يخادعون
الله و هو خادعهم و إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس و لا يذكرون الله إلا قليلا ) ﴾سورة النساء الآية 142
و قال النبي – صلى الله عليه و سلم – : ( إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء و صلاة الفجر ،
و لو يعلمون ما فيهما لأتوهما و لو حبوًا ) حديث صحيح رواه مسلم .
كما استعاذ الرسول – صلى الله عليه و سلم – من الفتور و الكسل في عدة أحاديث ، و علّم أصحابه
أن يتعوذوا بالله منه في الصباح و المساء ، فقال : ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل ، و أعوذ بك من الجبن ،
و أعوذ بك من الهرم ، و أعوذ بك من البخل ) رواه البخاري و مسلم .
و ما ذاك إلا لأن الفتور حالة خطيرة يؤدي بكثير من الناس إلى الانحراف ؛ فهو مرحلة وسطية
بين الالتزام و الانحراف .
و من مظاهر الفتور ( أعاذنا الله و إياكن منه ) :
1/ التكاسل عن العبادات و الطاعات مع ضعف و ثقل أثناء أدائها ، و من أعظم ذلك الصلاة ،
و يدخل في هذا التكاسل عن قيام الليل و صلاة الوتر و أداء السنن و الرواتب ، و الغفلة عن قراءة
القرآن و الذكر .
2/ عدم استشعار المسؤولية ، و التساهل و التهاون بالأمانة ، و أعظم أمانة هي الدعوة إلى الله .
3/ انفصام عرى الأخوة بين المتحابين في الله ، قال النبي – صلى الله عليه و سلّم – : ( ما توادَّ اثنان
في الله عز و جل ، أو في الإسلام فيفرق بينهما أول ذنب < و في رواية ففرق بينهما إلا بذنب > يحدثه
أحدهما ) أخرجه أحمد في المسند .
4/ ضياع الوقت و عدم الإفادة منه .
5/ التهرب من كل عمل جدّي .
6/ الفوضوية في العمل .
7/ النقد لكل عمل إيجابي تنصّلًا من المشاركة فيه .
8/ التسويف و التأجيل ، فما يمكن أن يؤدى في أسبوع يمكث شهرًا .
أما عن أسباب الفتور فمنها الآتي /
1/ ضعف الإخلاص و سريان الرياء في القلب .
2/ ضعف العلم الشرعي .
3/ تعلّق القلب بالدنيا و نسيان الآخرة .
4/ الحياة في الأجواء الفاسدة .
5/ صحبة ذوي الإرادات الضعيفة .
6/ مقارفة المعاصي و المنكرات و أكل الحرام .
7/ سوء التربية .
8/ عدم التجانس بين الموهبة و العمل .
أخيرًا ، إذا ابتليت إحدانا بالفتور فهل لها من علاج ؟
نعم ، إن هناك سبلًا و عوامل للنجاة من بين مخالب الفتور ، منها :
1/ تعاهد الإيمان و تجديده ، فقد روى الحاكم الطبراني عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أنه قال :
( إن الإيمان ليخلق في جوفِ أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم )
أخرجه الحاكم في المستدرك .
2/ مراقبة الله و الإكثار من ذكره ، و حقيقة المراقبة ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
3/ الإخلاص و التقوى .
4/ طلب العلم و المواظبة على الدروس و حلق الذكر و المحاضرات .
5/ العلم بفضل العمل الذي نمارسه و مكانته الشرعية .
6/ تنظيم الوقت و محاسبة النفس .
7/ لزوم الجماعة ، قال صلى الله عليه و سلم : ( عليكم بالجماعة و إياكم و الفرقة ، فإن الشيطان
مع الواحد ، و هو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) أخرجه الترمذي .
8/ حسن التربية الشاملة المتكاملة .
9/ تنويع العبادة و العمل بدون فوضى ، و ذلك كمن يكون في الحرم مثلًا يصلي من الليل ما شاء
ثم يقرأ في كتاب الله ، أو يذهب ليطوف بالبيت ، أو يذكر الله على أي وضع .
10/ الإكثار من ذكر الموت و الخوف من سوء الخاتمة .
11/ الدعاء و الاستعانة بالله .
أسأل الله لي و لكن الفائدة مما علمناه ، و أعوذ به من الفتور و الكسل .