الكورتيزون الهرمون الذى يثير الخوف فى نفوس الناس
الكورتيزون الهرمون الذى يثير الخوف فى نفوس الناس -"لا يا دكتور! إذا فيه كورتيزون لا تعطيني إياه"
-" أخذ دواء فيه كورتيزون خفيف"
-"يا دكتور ! هذا الدواء فيه مركبات كورتيزون؟"
-"يقولون الكورتيزون يخرب الكلى والكبد!!"
-" يقولون الكورتيزون يسبب السرطان ! صحيح هذا ولآلا"
هذه بعض تعليقات المرضى اليومية التي نواجهها في العيادات , وهي تعكس الخوف المصحوب بالوهم المبني على كلام "طائش" دون خلفية علمية. فهو مبني على السماع من الجارة أو معرفة خلال جلسة نسائية أو مجلس رجالي يتحدث فيه ذو المعرفة ومن يجهل أصول الطب, وهكذا انتشرت الفكرة عن الكورتيزون بأنه الغول أو " البعبع" الذي يثير الخوف في نفوس المرضى ويجعل شعر رؤوسهم يقف عندما يسمعون كلمة " كورتيزون" لدرجة تجعل المريض يحجم عن أخذ الدواء عندما يكون في أمس الحاجة إليه, مما يؤدي إلى مضاعفات مرضية وتفاقم حالة الربو ومضاعفتها في حالة النوبات الحادة, مما يحولها إلى حالة مزمنة قد تستعصي على الأدوية العادية. والحقيقة أن الخوف من الكورتيزون لا يقتصر على المرضى السوريين , بل هو ظاهرة منتشرة حتى بين المرضى الأمريكان والأوربيين, وعلى مختلف المستويات الثقافية, سواء كانوا رجالاً أو نساء ولكن الظاهرة بين النساء أكثر. فهل يا ترى لهذا الخوف من الكورتيزون الذي شاع بين الناس له ما يبرره أم هو خوف لا مبرر له؟ ماهي حقيقة الكورتيزون ؟ وما هو مصدره ؟ وما هي فوائده واستعمالاته ؟ وما دوره في علاج الحساسية والربو ؟ وماهي أضراره التي أثارت خوف الناس ؟ وهل مركبات الكورتيزون كلها واحدة ؟ وهل المضاعفات تحدث بغض النظر عن كمية ونوع الكورتيزون والمدة التي يعطى فيها؟ وما هي أفضل الطرق التي يعطى بها الكورتيزون حتى نحصل على فائدة دون مضاعفات؟ كل هذه التساؤلات لا بد من الإجابة عليها حتى تزيل اللبس والخوف الذي أصاب الناس بسبب الكورتيزون لدرجة الوسواس ورفض العلاج الصحيح أحيانا
أسباب السمعة السيئة للكورتيزون
كل علاج ’يساء استعماله مهم كان هذا العلاج يؤدي إلى مضاعفات وأضرار قد تكون خفيفة وعارضه تنتهي بانتهاء استعمال العلاج, وقد تكون شديدة لدرجة تؤثر على كثير من وظائف الجسم والأعضاء. وسوء استعمال الكورتيزون في غير حاجته أو حتى في حالات استعماله لبعض الأمراض قد يؤدي إلى مضاعفات ضارة بالصحة. وفي حالة سوء الاستعمال التي تؤدي إلى المضاعفات فإن استعمال العلاج يصبح غير مبرر ويلام الطبيب في استعماله أما في بعض الأمراض مثل الزلال وبعض أمراض الروماتيزم مثل الذئبة الحمراء فإن استعمال مركبات الكورتيزون تصبح ضرورية حتى ولو أدت إلى حدوث المضاعفات التي يعرفها الطبيب ويتوقها لأن خطورة المرض و مضاعفاته إذا لم تعالج أشد من خطورة مضاعفات الكورتيزون. وهنا سوف أركز على المضاعفات الناتجة عن استعمال الكورتيزون الخاطئ والتي يمكن تجنبها, وهي التي أدت إلى سوء سمعة الكورتيزون وخوف الناس من استعماله
إذا أعطى الكورتيزون على شكل حبوب بجرعات كبيرة ذات مفعول طويل أو على شكل حقن (أبر) وهذه الإبر ذات مفعول يبقى في الجسم مدة طويلة وإذا أعطيت يشكل متكرر تؤدي إلى مضاعفات الكورتيزون. وكانت المضاعفات على شكل زيادة كبيرة في الوزن و تشققات في الجلد, وضعف النظر وارتفاع الضغط والسكر وضعف العظام وآلامها. وعند الأطفال أدت إلى تباطؤ أو توقف النمو. وبدراسة تلك الحالات تبين أن الحاجة إلى الكورتيزون لم تكن ضرورية سيما أن الكورتيزون أعطى لفترة طويلة وكان هناك علاجات بديلة يمكن أن تعالج حالات الحساسية والربو دون الحاجة إلى الكورتيزون. وعند إخبار المريض بأن ما يعانيه هو نتيجة أعراض الكورتيزون تكون ردة الفعل أن كلمة" كورتيزون" تعني المرض والمضاعفات التي يتطلب التخلص منها وقتاً طويلاً وأحياناً لا يمكن إعادة وظائف غدد الهرمونات إلى سابق عهدها مما يستدعي أخذ الكورتيزون مدى
وهنا نشأ الخوف من الكورتيزون Cortisone phobia بين الناس حتى أصبح اسم الكورتيزون مقترناً بالمضاعفات بغض النظر عن نوع المركب ومدة الاستعمال ومدى الحاجة إليه. أي أن معانة المرضى الذين حصلت لديهم المضاعفات يصبحون المثل الحي الدال على ضرر الكورتيزون وبالتالي لا أحد يرغب في حصول تلك المضاعفات, وهذا شئ منطقي ولكن هل كل كورتيزون يعني مضاعفات ؟ أو أن كل أنواع الكورتيزون تؤدي إلى نفس المضاعفات والأضرار بغض النظر عن الجرعات أو المدة أو طريقة الاستعمال, حقن,حبوب,استنشاق, مراهم؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من تعريف القارئ بماهية الكورتيزون وكيف يعمل.
ما هو الكورتيزون ؟
الكورتيزون عبارة عن هرمون تفرزه الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلية. وهو ضروري جداً لوظائف الجسم مثل تنظيم كمية الأملاح في الجسم والسوائل في الجسم وضغط الدم ولون البشرة ومقاومة الالتهابات التحسسية وتنظيم إفرازات البروتين والإنزيمات,وتنظيم مستوى السكر في الدم وغيرها من الوظائف الحيوية والضرورية لوظائف الجسم وحيويته. ونقص الكورتيزون يؤدي إلى اضطراب في الضغط والسكر والأملاح وهبوط مقاومة الجسم أثناء الصدمات والحوادث والالتهابات. والجسم يفرز حوالي 25 ملغم من مادة الهيدروكورتيزون خلال اليوم والليلة . (Hydrocortisone)
إفراز الكورتيزون ينظمه هرمون آخر يسمى " ادرينو كورتيكو تروفك هورمون" تفرزه الغدة النخامية في قاع الجمجمة. والعلاقة بين الغدة النخامية والغدة الكظرية تشبه منظم درجة الحرارة في المكيف المركزي
وهذا ينبه الغدة الكظرية للبدء ACTH فعندما ينقص الكورتيزون في الجسم تبدأ الغدة النخامية
بإفراز الكورتيزون. وعندما يرتفع الكورتيزون بالدم إلى الحد المطلوب, تتوقف الغدة النخامية عن إفراز الهرمون المنبه وعندما يستهلك الجسم الكورتيزون أو يقل تركيزه في الدم تبدأ الغدة النخامية بافراز ACTH وهكذا
كيف تحدث مضاعفات الكورتيزون ومتى ؟
عندما يعطى الكورتيزون على شكل حبوب أو شراب أو حقن لمدة طويلة وبجرعات كبيرة, عادة أكثر من 10-15 يوم تبدأ مضاعفات الكورتيزون و أعراضه الجانبية بالظهور. وكلما طالت مدة أخذ الكورتيزون كلما أزداد احتمالات حدوث المضاعفات. في الأحوال العادية للجسم تفرز الغدة الكظرية الكورتيزون ويصل إلى أعلى مستوى في الدم بين الساعة السادسة والعاشرة صباحاً, ثم يبدأ بالتناقص حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل حيث يصل إلى أدنى مستوى, ثم يبدأ بالارتفاع, وهكذا عندما يعطى الكورتيزون من الخارج على شكل علاج بشكل يومي لفترات طويلة, فإن هذا يؤدي إلى وجود الكورتيزون في الدم بشكل مرتفع دائماً ولهذا تأثير سلبي وسيئ على تنظيم إفراز الكورتيزون من الجسم, وبعد فترة تتوقف الغدة الكظرية عن إفراز الكورتيزون مما يؤدي إلى ضمورها. وفي هذه الحالة إذا توقف إعطاء الكورتيزون بشكل مفاجئ يشعر المريض بآلام في العظام وضعف شديد في العضلات واكتئاب. ولهذا فأني أحذر من التوقف المفاجئ للكورتيزون إذا أخذه المريض لمدة طويلة, ويجب تخفيض الجرعة تحت إشراف طبيب أخصائي وبشكل بطئ جداً
ماهي مضاعفات الكورتيزون وأعراضه الجانبية؟
إذا أسئ استخدام الكورتيزون وعندما يستعمل لفترات طويلة وبجرعات كبيرة تحدث الأعراض والمضاعفات الآتية : ازدياد الشهية للطعام, السمنة الزائدة, الاكتئاب, السرور بدون سبب أو مناسبة, الأرق, آلام العظام والعضلات, ضعف الجلد وتشققه, ارتفاع الضغط , ارتفاع السكر, تغير المزاج, ضعف العظام وآلامها, ارتفاع ضغط العين وعتمة العدسة (الماء الأبيض), بطء أو توقف نمو الطفل, ضعف المقاومة للأمراض الالتهابية, التأثير على الكبد, سهولة حدوث الكسور في العظام
هل كلمة كورتيزون تعني بالضرورة حدوث المضاعفات ؟
الإجابة بالنفي, أي أن الكورتيزون هرمون مهم جداً لوظائف الجسم ومهم جداً لعلاج الكثير من الأمراض, ويعتبر أهم علاج على الإطلاق لعلاج الالتهاب التحسسي مثل حساسية الجلد والأنف والقصبات الهوائية وغيرها من حالات الحساسية عدا الأمراض الأخرى
يمكن استخدام الكورتيزون والحصول على الفائدة المرجوة منه دون حصول المضاعفات أو الأعراض الجانبية إذا استخدم من طبيب خبير ومختص وبجرعات محددة. وهو بهذا سلاح ذو حدين, إذا استخدم بيد خبير فتحصل الفائدة دون أدنى ضرر, و إذا استخدم دون خبرة كافية دون خبرة كافية من غير المختص يؤدي إلى المضاعفات. أضف إلى ذلك أن مركبات الكورتيزون ليس كلها سواء. فمثلاً البخاخات التي تستعمل لعلاج حساسية الأنف أو القصبات (الربو) فإنها لا تمتص في الدورة الدموية ولا تؤثر على نظام إفراز الكورتيزون في الجسم, ومفعولها موضعي وبالتالي لا تؤدي إلى مضاعفات الكورتيزون حتى ولو استعملت لفترات طويلة, إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة وبالجرعات المحددة التي يضعها المختص.وكذلك أقراص أو حبوب الكورتيزون إذا استخدمت لفترات قصيرة ومحددة فإنها لا تؤدي إلى أية مضاعفات حتى ولو استخدمت 4-5 مرات في السنة في كل مرة لا تزيد عن أسبوع. بل العكس هو الصحيح, فإن عدم إعطائها في حالات نوبات الربو و خاصة المسببة عن الزكام أو الأنفلونزا يؤدي إلى اشتداد الحالة واستمراريتها وإرهاق المريض, وعلى العكس فإن أخذ الكورتيزون لفترة 3-7 أيام يؤدي إلى شفاء أسرع دون مضاعفات الكورتيزون بنسبة أعلى وذلك لأن الكورتيزون يبقى في الجسم لفترة طويلة. وعليه فلا أنصح بإعطاء إبرة الكورتيزون أكثر من مرة إلى مرتين في العام كحد أقصى وفي حالات اشتداد أعراض الحساسية في بعض المواسم أو عندما نتحاشى الأثر على المعدة الحساسة إذا أعطيت الحبوب
الكورتيزون والمرأة الحامل
كثير من النساء الحوامل المصابات بالربو يخفن من أخذ الكورتيزون حتى البخاخات ويفضلن المعاناة على تناول الكورتيزون خوفاً على الجنين من الضرر أو التشوهات, إما بسبب حكايات المجالس و أحياناً قليلة بسبب نصيحة طبيب أو طبيبة نساء وولادة. والنتيجة هي معاناة أثناء الحمل أحيانا قد يموت الجنين لنقص الأكسجين بسبب امتناع الأم عن أخذ العلاج. وهذا خطأ فادح وخوف لا مبرر له. ففي دراسات عدة مقارنة بين نساء حوامل لا يعانين من الربو وبين نساء حوامل يعانين من الربو وجد أن النساء الحوامل اللواتي أخذن العلاج بشكل عادي, شاملاً أخذ الكورتيزون سواء بخاخ أو حبوب أو حقن إذا كان ضرورياً, كانت نتيجة الحمل لا تختلف عن النسوة الصحيحات اللواتي لم يأخذن أي علاج وعلى العكس من ذلك, فإن النساء الحوامل اللواتي لم يأخذن علاج الربو بشكل جيد كانت نسبة الإجهاض وموت الأجنة والتشوهات أعلى, وذلك يعود إلى اشتدد الربو ونقص الأكسجين في الدم عن الجنين. وقد عالجت عدداً كبيراً من النساء الحوامل المصابات بالربو في العشرين ستة الماضية, لم أجد أية مضاعفات من العلاج, ومن ضمنها الكورتيزون سواء كان بالبخاخات أو الحبوب, وانتهي الحمل في الجميع بمواليد أصحاء. أما النساء الحوامل اللواتي امتنعن عن أخذ العلاج فكانت نسبة الإجهاض ووفيات الأجنة ملحوظة. وخلاصة القول أن المرأة الحامل التي تعاني من الربو أو الحساسية يجب أن تعالج بشكل عادي كالمرأة غير الحامل. والتردد أو الإمتاع عن أخذ العلاج ليس له مبرر بل هو ضار بالأم والجنين.
ماهي أفضل طريقة لأخذ الكورتيزون إذا كان المريض يحتاج إليه؟
إن أفضل طريقة لإعطاء الكورتيزون في حالات الربو الحادة أو الحساسية الشديدة هو إما إبرة واحدة في العضل أو الوريد بحيث لا تكرر أكثر من مرة إلى مرتين في السنة. أو إعطاء أقراص الكورتيزون على شكل جرعة واحدة في الصباح أو جرعة صباحاً ومساءً لمدة 3-7 أيام ثم توقف فجأة فإذا تحسن المريض بعد 3 أيام يوقف الكورتيزون وإذا لزم يمكن الاستمرار لمدة أسبوع. وبهذه الطريقة يمكن أن يؤخذ في حالات الأزمات 5 مرات في السنة دون ضرر. أما إذا احتاج المريض الكورتيزون لفترات طويلة مثل حالة حساسية الأنف المزمنة أو الربو المزمن ففي هذه الحالة انصح بأخذ مركبات الكورتيزون على شكل بودرة أو رذاذ يؤخذ بالاستنشاق في الأنف أو الفم, ويمكن أن يعطى لمدة طويلة تصل إلى سنوات دون الخوف أو القلق من المضاعفات بشرط التقيد في الجرعات في الحدود الكافية للتحكم بالمرض. وفي حال حساسية الجلد فإن الكريمات أو المراهم يمكن أن تستخدم لفترة قصيرة 5-7 أيام أو حتى أسبوعين دون الخوف من حدوث امتصاص الكورتيزون في الدم أو حدوث مضاعفات. أما الأطفال الصغار فإن احتمال حدوث مضاعفات من المراهم إذا استخدمت لفترات طويلة أمر وارد وذلك بسبب رقة جلد الطفل واحتمال امتصاص الكورتيزون ودخوله الدورة الدموية . ولهذا فإن المراهم والكريمات المحتوية على الكورتيزون يجب أن تستخدم في الأطفال بتركيزات مخفضة ولأقصر مدة ضرورية للتغلب على الحساسية
ما العمل إذا حصلت مضاعفات الكورتيزون عند أحد المرضى؟
أما بسبب سوء الاستعمال أو لضرورة استخدامه لفترات طويلة بسبب نوع المرض. في هذه الحالة يقوم الطبيب المختص بإجراء اختبار الغدة الكظرية للكورتيزون وكذلك هرمون ACTH الدال على نشاط الغدة النخامية, ويفحص الكورتيزون بالدم, فإذا كانت الدلائل تشير إلى أن الجسم قادر على إفراز الكورتيزون فعندها يقوم الطبيب المختص بوضع جدول زمني يقوم فيه بإنقاص جرعات الكورتيزون تدريجياً وعلى فترات تتراوح بين أسابيع قليلة أو أشهر. ويحذر إنقاص الكورتيزون بسرعة أو التوقف عن أخذه بشكل مفاجئ لأن ذلك سيؤدي إلى آلام وضعف شديد واكتئاب وانهيار مقاومة الجسم واشتداد الربو. أما إذا بين الاختباران الغدة الكظرية ضامرة بحيث لم تعد قادرة على إفراز الكورتيزون ففي هذه الحالة لابد من أخذ الكورتيزون مدى الحياة
-" أخذ دواء فيه كورتيزون خفيف"
-"يا دكتور ! هذا الدواء فيه مركبات كورتيزون؟"
-"يقولون الكورتيزون يخرب الكلى والكبد!!"
-" يقولون الكورتيزون يسبب السرطان ! صحيح هذا ولآلا"
هذه بعض تعليقات المرضى اليومية التي نواجهها في العيادات , وهي تعكس الخوف المصحوب بالوهم المبني على كلام "طائش" دون خلفية علمية. فهو مبني على السماع من الجارة أو معرفة خلال جلسة نسائية أو مجلس رجالي يتحدث فيه ذو المعرفة ومن يجهل أصول الطب, وهكذا انتشرت الفكرة عن الكورتيزون بأنه الغول أو " البعبع" الذي يثير الخوف في نفوس المرضى ويجعل شعر رؤوسهم يقف عندما يسمعون كلمة " كورتيزون" لدرجة تجعل المريض يحجم عن أخذ الدواء عندما يكون في أمس الحاجة إليه, مما يؤدي إلى مضاعفات مرضية وتفاقم حالة الربو ومضاعفتها في حالة النوبات الحادة, مما يحولها إلى حالة مزمنة قد تستعصي على الأدوية العادية. والحقيقة أن الخوف من الكورتيزون لا يقتصر على المرضى السوريين , بل هو ظاهرة منتشرة حتى بين المرضى الأمريكان والأوربيين, وعلى مختلف المستويات الثقافية, سواء كانوا رجالاً أو نساء ولكن الظاهرة بين النساء أكثر. فهل يا ترى لهذا الخوف من الكورتيزون الذي شاع بين الناس له ما يبرره أم هو خوف لا مبرر له؟ ماهي حقيقة الكورتيزون ؟ وما هو مصدره ؟ وما هي فوائده واستعمالاته ؟ وما دوره في علاج الحساسية والربو ؟ وماهي أضراره التي أثارت خوف الناس ؟ وهل مركبات الكورتيزون كلها واحدة ؟ وهل المضاعفات تحدث بغض النظر عن كمية ونوع الكورتيزون والمدة التي يعطى فيها؟ وما هي أفضل الطرق التي يعطى بها الكورتيزون حتى نحصل على فائدة دون مضاعفات؟ كل هذه التساؤلات لا بد من الإجابة عليها حتى تزيل اللبس والخوف الذي أصاب الناس بسبب الكورتيزون لدرجة الوسواس ورفض العلاج الصحيح أحيانا
أسباب السمعة السيئة للكورتيزون
كل علاج ’يساء استعماله مهم كان هذا العلاج يؤدي إلى مضاعفات وأضرار قد تكون خفيفة وعارضه تنتهي بانتهاء استعمال العلاج, وقد تكون شديدة لدرجة تؤثر على كثير من وظائف الجسم والأعضاء. وسوء استعمال الكورتيزون في غير حاجته أو حتى في حالات استعماله لبعض الأمراض قد يؤدي إلى مضاعفات ضارة بالصحة. وفي حالة سوء الاستعمال التي تؤدي إلى المضاعفات فإن استعمال العلاج يصبح غير مبرر ويلام الطبيب في استعماله أما في بعض الأمراض مثل الزلال وبعض أمراض الروماتيزم مثل الذئبة الحمراء فإن استعمال مركبات الكورتيزون تصبح ضرورية حتى ولو أدت إلى حدوث المضاعفات التي يعرفها الطبيب ويتوقها لأن خطورة المرض و مضاعفاته إذا لم تعالج أشد من خطورة مضاعفات الكورتيزون. وهنا سوف أركز على المضاعفات الناتجة عن استعمال الكورتيزون الخاطئ والتي يمكن تجنبها, وهي التي أدت إلى سوء سمعة الكورتيزون وخوف الناس من استعماله
إذا أعطى الكورتيزون على شكل حبوب بجرعات كبيرة ذات مفعول طويل أو على شكل حقن (أبر) وهذه الإبر ذات مفعول يبقى في الجسم مدة طويلة وإذا أعطيت يشكل متكرر تؤدي إلى مضاعفات الكورتيزون. وكانت المضاعفات على شكل زيادة كبيرة في الوزن و تشققات في الجلد, وضعف النظر وارتفاع الضغط والسكر وضعف العظام وآلامها. وعند الأطفال أدت إلى تباطؤ أو توقف النمو. وبدراسة تلك الحالات تبين أن الحاجة إلى الكورتيزون لم تكن ضرورية سيما أن الكورتيزون أعطى لفترة طويلة وكان هناك علاجات بديلة يمكن أن تعالج حالات الحساسية والربو دون الحاجة إلى الكورتيزون. وعند إخبار المريض بأن ما يعانيه هو نتيجة أعراض الكورتيزون تكون ردة الفعل أن كلمة" كورتيزون" تعني المرض والمضاعفات التي يتطلب التخلص منها وقتاً طويلاً وأحياناً لا يمكن إعادة وظائف غدد الهرمونات إلى سابق عهدها مما يستدعي أخذ الكورتيزون مدى
وهنا نشأ الخوف من الكورتيزون Cortisone phobia بين الناس حتى أصبح اسم الكورتيزون مقترناً بالمضاعفات بغض النظر عن نوع المركب ومدة الاستعمال ومدى الحاجة إليه. أي أن معانة المرضى الذين حصلت لديهم المضاعفات يصبحون المثل الحي الدال على ضرر الكورتيزون وبالتالي لا أحد يرغب في حصول تلك المضاعفات, وهذا شئ منطقي ولكن هل كل كورتيزون يعني مضاعفات ؟ أو أن كل أنواع الكورتيزون تؤدي إلى نفس المضاعفات والأضرار بغض النظر عن الجرعات أو المدة أو طريقة الاستعمال, حقن,حبوب,استنشاق, مراهم؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من تعريف القارئ بماهية الكورتيزون وكيف يعمل.
ما هو الكورتيزون ؟
الكورتيزون عبارة عن هرمون تفرزه الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلية. وهو ضروري جداً لوظائف الجسم مثل تنظيم كمية الأملاح في الجسم والسوائل في الجسم وضغط الدم ولون البشرة ومقاومة الالتهابات التحسسية وتنظيم إفرازات البروتين والإنزيمات,وتنظيم مستوى السكر في الدم وغيرها من الوظائف الحيوية والضرورية لوظائف الجسم وحيويته. ونقص الكورتيزون يؤدي إلى اضطراب في الضغط والسكر والأملاح وهبوط مقاومة الجسم أثناء الصدمات والحوادث والالتهابات. والجسم يفرز حوالي 25 ملغم من مادة الهيدروكورتيزون خلال اليوم والليلة . (Hydrocortisone)
إفراز الكورتيزون ينظمه هرمون آخر يسمى " ادرينو كورتيكو تروفك هورمون" تفرزه الغدة النخامية في قاع الجمجمة. والعلاقة بين الغدة النخامية والغدة الكظرية تشبه منظم درجة الحرارة في المكيف المركزي
وهذا ينبه الغدة الكظرية للبدء ACTH فعندما ينقص الكورتيزون في الجسم تبدأ الغدة النخامية
بإفراز الكورتيزون. وعندما يرتفع الكورتيزون بالدم إلى الحد المطلوب, تتوقف الغدة النخامية عن إفراز الهرمون المنبه وعندما يستهلك الجسم الكورتيزون أو يقل تركيزه في الدم تبدأ الغدة النخامية بافراز ACTH وهكذا
كيف تحدث مضاعفات الكورتيزون ومتى ؟
عندما يعطى الكورتيزون على شكل حبوب أو شراب أو حقن لمدة طويلة وبجرعات كبيرة, عادة أكثر من 10-15 يوم تبدأ مضاعفات الكورتيزون و أعراضه الجانبية بالظهور. وكلما طالت مدة أخذ الكورتيزون كلما أزداد احتمالات حدوث المضاعفات. في الأحوال العادية للجسم تفرز الغدة الكظرية الكورتيزون ويصل إلى أعلى مستوى في الدم بين الساعة السادسة والعاشرة صباحاً, ثم يبدأ بالتناقص حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل حيث يصل إلى أدنى مستوى, ثم يبدأ بالارتفاع, وهكذا عندما يعطى الكورتيزون من الخارج على شكل علاج بشكل يومي لفترات طويلة, فإن هذا يؤدي إلى وجود الكورتيزون في الدم بشكل مرتفع دائماً ولهذا تأثير سلبي وسيئ على تنظيم إفراز الكورتيزون من الجسم, وبعد فترة تتوقف الغدة الكظرية عن إفراز الكورتيزون مما يؤدي إلى ضمورها. وفي هذه الحالة إذا توقف إعطاء الكورتيزون بشكل مفاجئ يشعر المريض بآلام في العظام وضعف شديد في العضلات واكتئاب. ولهذا فأني أحذر من التوقف المفاجئ للكورتيزون إذا أخذه المريض لمدة طويلة, ويجب تخفيض الجرعة تحت إشراف طبيب أخصائي وبشكل بطئ جداً
ماهي مضاعفات الكورتيزون وأعراضه الجانبية؟
إذا أسئ استخدام الكورتيزون وعندما يستعمل لفترات طويلة وبجرعات كبيرة تحدث الأعراض والمضاعفات الآتية : ازدياد الشهية للطعام, السمنة الزائدة, الاكتئاب, السرور بدون سبب أو مناسبة, الأرق, آلام العظام والعضلات, ضعف الجلد وتشققه, ارتفاع الضغط , ارتفاع السكر, تغير المزاج, ضعف العظام وآلامها, ارتفاع ضغط العين وعتمة العدسة (الماء الأبيض), بطء أو توقف نمو الطفل, ضعف المقاومة للأمراض الالتهابية, التأثير على الكبد, سهولة حدوث الكسور في العظام
هل كلمة كورتيزون تعني بالضرورة حدوث المضاعفات ؟
الإجابة بالنفي, أي أن الكورتيزون هرمون مهم جداً لوظائف الجسم ومهم جداً لعلاج الكثير من الأمراض, ويعتبر أهم علاج على الإطلاق لعلاج الالتهاب التحسسي مثل حساسية الجلد والأنف والقصبات الهوائية وغيرها من حالات الحساسية عدا الأمراض الأخرى
يمكن استخدام الكورتيزون والحصول على الفائدة المرجوة منه دون حصول المضاعفات أو الأعراض الجانبية إذا استخدم من طبيب خبير ومختص وبجرعات محددة. وهو بهذا سلاح ذو حدين, إذا استخدم بيد خبير فتحصل الفائدة دون أدنى ضرر, و إذا استخدم دون خبرة كافية دون خبرة كافية من غير المختص يؤدي إلى المضاعفات. أضف إلى ذلك أن مركبات الكورتيزون ليس كلها سواء. فمثلاً البخاخات التي تستعمل لعلاج حساسية الأنف أو القصبات (الربو) فإنها لا تمتص في الدورة الدموية ولا تؤثر على نظام إفراز الكورتيزون في الجسم, ومفعولها موضعي وبالتالي لا تؤدي إلى مضاعفات الكورتيزون حتى ولو استعملت لفترات طويلة, إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة وبالجرعات المحددة التي يضعها المختص.وكذلك أقراص أو حبوب الكورتيزون إذا استخدمت لفترات قصيرة ومحددة فإنها لا تؤدي إلى أية مضاعفات حتى ولو استخدمت 4-5 مرات في السنة في كل مرة لا تزيد عن أسبوع. بل العكس هو الصحيح, فإن عدم إعطائها في حالات نوبات الربو و خاصة المسببة عن الزكام أو الأنفلونزا يؤدي إلى اشتداد الحالة واستمراريتها وإرهاق المريض, وعلى العكس فإن أخذ الكورتيزون لفترة 3-7 أيام يؤدي إلى شفاء أسرع دون مضاعفات الكورتيزون بنسبة أعلى وذلك لأن الكورتيزون يبقى في الجسم لفترة طويلة. وعليه فلا أنصح بإعطاء إبرة الكورتيزون أكثر من مرة إلى مرتين في العام كحد أقصى وفي حالات اشتداد أعراض الحساسية في بعض المواسم أو عندما نتحاشى الأثر على المعدة الحساسة إذا أعطيت الحبوب
الكورتيزون والمرأة الحامل
كثير من النساء الحوامل المصابات بالربو يخفن من أخذ الكورتيزون حتى البخاخات ويفضلن المعاناة على تناول الكورتيزون خوفاً على الجنين من الضرر أو التشوهات, إما بسبب حكايات المجالس و أحياناً قليلة بسبب نصيحة طبيب أو طبيبة نساء وولادة. والنتيجة هي معاناة أثناء الحمل أحيانا قد يموت الجنين لنقص الأكسجين بسبب امتناع الأم عن أخذ العلاج. وهذا خطأ فادح وخوف لا مبرر له. ففي دراسات عدة مقارنة بين نساء حوامل لا يعانين من الربو وبين نساء حوامل يعانين من الربو وجد أن النساء الحوامل اللواتي أخذن العلاج بشكل عادي, شاملاً أخذ الكورتيزون سواء بخاخ أو حبوب أو حقن إذا كان ضرورياً, كانت نتيجة الحمل لا تختلف عن النسوة الصحيحات اللواتي لم يأخذن أي علاج وعلى العكس من ذلك, فإن النساء الحوامل اللواتي لم يأخذن علاج الربو بشكل جيد كانت نسبة الإجهاض وموت الأجنة والتشوهات أعلى, وذلك يعود إلى اشتدد الربو ونقص الأكسجين في الدم عن الجنين. وقد عالجت عدداً كبيراً من النساء الحوامل المصابات بالربو في العشرين ستة الماضية, لم أجد أية مضاعفات من العلاج, ومن ضمنها الكورتيزون سواء كان بالبخاخات أو الحبوب, وانتهي الحمل في الجميع بمواليد أصحاء. أما النساء الحوامل اللواتي امتنعن عن أخذ العلاج فكانت نسبة الإجهاض ووفيات الأجنة ملحوظة. وخلاصة القول أن المرأة الحامل التي تعاني من الربو أو الحساسية يجب أن تعالج بشكل عادي كالمرأة غير الحامل. والتردد أو الإمتاع عن أخذ العلاج ليس له مبرر بل هو ضار بالأم والجنين.
ماهي أفضل طريقة لأخذ الكورتيزون إذا كان المريض يحتاج إليه؟
إن أفضل طريقة لإعطاء الكورتيزون في حالات الربو الحادة أو الحساسية الشديدة هو إما إبرة واحدة في العضل أو الوريد بحيث لا تكرر أكثر من مرة إلى مرتين في السنة. أو إعطاء أقراص الكورتيزون على شكل جرعة واحدة في الصباح أو جرعة صباحاً ومساءً لمدة 3-7 أيام ثم توقف فجأة فإذا تحسن المريض بعد 3 أيام يوقف الكورتيزون وإذا لزم يمكن الاستمرار لمدة أسبوع. وبهذه الطريقة يمكن أن يؤخذ في حالات الأزمات 5 مرات في السنة دون ضرر. أما إذا احتاج المريض الكورتيزون لفترات طويلة مثل حالة حساسية الأنف المزمنة أو الربو المزمن ففي هذه الحالة انصح بأخذ مركبات الكورتيزون على شكل بودرة أو رذاذ يؤخذ بالاستنشاق في الأنف أو الفم, ويمكن أن يعطى لمدة طويلة تصل إلى سنوات دون الخوف أو القلق من المضاعفات بشرط التقيد في الجرعات في الحدود الكافية للتحكم بالمرض. وفي حال حساسية الجلد فإن الكريمات أو المراهم يمكن أن تستخدم لفترة قصيرة 5-7 أيام أو حتى أسبوعين دون الخوف من حدوث امتصاص الكورتيزون في الدم أو حدوث مضاعفات. أما الأطفال الصغار فإن احتمال حدوث مضاعفات من المراهم إذا استخدمت لفترات طويلة أمر وارد وذلك بسبب رقة جلد الطفل واحتمال امتصاص الكورتيزون ودخوله الدورة الدموية . ولهذا فإن المراهم والكريمات المحتوية على الكورتيزون يجب أن تستخدم في الأطفال بتركيزات مخفضة ولأقصر مدة ضرورية للتغلب على الحساسية
ما العمل إذا حصلت مضاعفات الكورتيزون عند أحد المرضى؟
أما بسبب سوء الاستعمال أو لضرورة استخدامه لفترات طويلة بسبب نوع المرض. في هذه الحالة يقوم الطبيب المختص بإجراء اختبار الغدة الكظرية للكورتيزون وكذلك هرمون ACTH الدال على نشاط الغدة النخامية, ويفحص الكورتيزون بالدم, فإذا كانت الدلائل تشير إلى أن الجسم قادر على إفراز الكورتيزون فعندها يقوم الطبيب المختص بوضع جدول زمني يقوم فيه بإنقاص جرعات الكورتيزون تدريجياً وعلى فترات تتراوح بين أسابيع قليلة أو أشهر. ويحذر إنقاص الكورتيزون بسرعة أو التوقف عن أخذه بشكل مفاجئ لأن ذلك سيؤدي إلى آلام وضعف شديد واكتئاب وانهيار مقاومة الجسم واشتداد الربو. أما إذا بين الاختباران الغدة الكظرية ضامرة بحيث لم تعد قادرة على إفراز الكورتيزون ففي هذه الحالة لابد من أخذ الكورتيزون مدى الحياة