قال تقرير صدر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي بعنوان: «التنويع الاقتصادي في دول التعاون: الماضي، الحاضر، والمستقبل»، ان نموذج النمو في الخليج قدم نتائج اقتصادية واجتماعية قوية على مدار عقود عديدة.
وأضاف أن دول مجلس التعاون الخليجي عليها أن تعدل المحفزات أمام العمال والشركات لتشجيعهم على العمل والإنتاج في القطاع الخاص غير النفطي إذا ما أرادت هذه البلدان النجاح في تنويع اقتصادياتها.
ولفت صندوق النقد الدولي في دراسته الجديدة إلى أنه مع تراجع أسعار النفط بنسبة 40 في المئة منذ شهر يوليو الماضي، برزت أهمية التنويع الاقتصادي مجددا على السطح.
وقال التقرير إنه في حين استطاعت حكومات المنطقة تحقيق بعض الإنجازات تجاه تنويع اقتصادياتها في السنوات الأخيرة، إلا أنه ما زال أمامها الكثير لتبذله في هذا الصدد، مشيرا إلى أن الاستراتيجيات التي اتبعتها حتى الآن أثمرت نتائج مختلفة.
وكي تنجح في تحقيق تقدم كبير نحو تقليص اعتمادها على النفط، لابد أن تغير الحكومات الخليجية من الهيكلة المحفزة للاقتصاد كي تشجع الأفراد على العمل في القطاع الخاص، وإقناع الشركات بالبحث عن فرص تصدير جديدة بعيدا عن الأسواق المحلية.
ووجد التقرير أن نموذج النمو الحالي في دول التعاون يشوبه الضعف، وبالتالي لا مناص من زيادة التنويع الاقتصادي. إذ يقلص الأخير من التقلب والاضطراب اللذين يشوبان أسواق النفط العالمية، ويساعدان في خلق وظائف القطاع الخاص، وزيادة الإنتاجية، واستدامة النمو، وتأسيس اقتصاد غير نفطي ضروري في المستقبل عندما تبدأ إيرادات النفط بالاضمحلال.
من جهة أخرى، لفت صندوق النقد الدولي إلى أنه لابد من الوقوف على العوامل التي قد تعيق محفزات الشركة للتوجه نحو الإنتاج في القطاعات الخاصة، وتشمل القدرة على استخراج العائد الاقتصادي(الريع الاحتكاري) من القطاع الخاص غير النفطي. هذا وتدل المؤشرات على أن درجة كثافة المنافسة المحلية تتباين في دول المنطقة، إذ سجلت قطر والسعودية والإمارات نقاطا جيدة في هذا الصدد، بينما البحرين وعُمان، وخاصة الكويت لم تقدم الكثير.
ويقول التقرير انه في حين ارتفعت صادرات السلع غير النفطية خلال السنوات، بقيت جودة التصدير منخفضة. وأضاف أن تنويع الصادرات غير النفطية تطور من الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2013، وارتفع إجمالي الصادرات غير النفطية ما بين سلع وخدمات من 13 إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. هذه الزيادة تعكس إلى حد كبير اتجاهات تصدير السلع غير النفطية التي زادت من 8 إلى 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال الفترة ذاتها. وفيما يخص صادرات السلع غير النفطية، أي صادرات الصناعات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، فارتفعت بدرجة كبيرة في الإمارات والسعودية، تلتهما عُمان، وبنسبة أقل في قطر والبحرين والكويت. وباستثناء البحرين والإمارات، تتركز صادرات الصناعات في مجال الكيماويات. وينظر التقرير لهذا الأمر بقلق لان قطاع الكيماويات أقرب إلى القطاعات المرتبطة بالنفط، وقد لا يساعد على تقليص التقلب الاقتصادي. ويظهر مؤشر ثيل تقدماً محدوداً فيما يخص تنويع الصادرات منذ عام 1990، ووفقاً لهذا المؤشر، زاد تنويع منتجات الصادرات في الإمارات وعُمان، لكن السعودية والكويت شهدتا تركزاً أكبر في نوعية الصادرات، أما البحرين وقطر فشهدتا تغيرا ضئيلاًَ. هذا الأمر غير مستغرب كما يقول التقرير نظرا إلى أن منتجات النفط لا تزال تبسط هيمنتها على سلة الصادرات، إذ تشكل أكثر من 80 في المئة من إجمالي صادرات السلع، وتصدر دول مجلس التعاون الخليجي القليل من المنتجات غير النفطية الجديدة، مما يجعل الصادرات الخليجية أقل تنوعاً بكثير من دول أخرى عديدة.
مناخ الأعمال
من جانب آخر، قال صندوق النقد في تقريره الأخير ان مناخ أنشطة الأعمال في دول التعاون مشجع نسبياً، رغم وجود تحديات. ففي تقرير التنافسية العالمي لعامي 2024 و2015، صنفت الإمارات في المركز الـ 12 عالميا كأكثر اقتصاد تنافسي بين 144 دولة، تلتها قطر في المركز 16، ثم السعودية 24، بينما جاءت البحرين والكويت وعُمان ضمن قائمة أول 46 بلدا. ومع ذلك، هناك بعض التحديات المشتركة التي تحيط بهذه الدول، ومنها إنفاذ العقود، وتسوية إفلاس الشركات، لاسيما في السعودية والإمارات.
أما فيما يتعلق ببيئة المصدرين، فقال التقرير انها تحسنت بدول التعاون مع أن التجارة البينية لا تزال محدودة بين هذه البلدان. وبالمقارنة مع الأسواق الناشئة الديناميكية والدول النامية، يتضح أن عدد الوثائق المطلوبة للتصدير أقل نسبياً في قطر والسعودية والإمارات، ومرتفع أكثر في البحرين والكويت وعُمان. كما ارتفعت تكاليف التصدير بصورة أبطأ من دول أخرى.
إلى هذا، تدعم بيانات الحسابات الوطنية وجهة النظر بأن نموذج النمو الحالي لدول التعاون ينجم عنه ارتفاع ربحية قطاع الشركات. بالنسبة للبيانات المتوافرة عن دول التعاون باستثناء عُمان، يتضح أن حصة كبيرة من الدخل القومي أي حوالي 75 في المئة تذهب إلى رأس المال (إجمالي الفوائض التشغيلية)، بينما حصة صغيرة فقط تذهب إلى العمال أي 25 في المئة. وفي حين تذهب أعلى حصة من الدخل القومي في الدول المصدرة للنفط إلى راس المال نظراً إلى طبيعة القطاع النفطي، لا تزال دول الخليج هي الأعلى في هذا الصدد. على سبيل المثال تقدر حصة الدخل الذي يذهب إلى رأس المال في القطاع غير النفطي بواقع 75 في المئة.