العلاقة النفسية الإجتماعية بين المراهق والأهل هي المحور الذي تدور حوله معظم الأزمات والصدامات بين الطرفين، فما هي مكونات هذه العلاقة ؟
تعتبر مرحلة المراهقة البداية لمرحلة النضج والنهاية الإجتماعية النفسية لمرحلة الطفولة ، ولذلك فإنّ كل ما يقوم به المراهق من سلوكيات وتغييرات هي للإنتقال والتأكيد على أنّه لم يعد طفلاً وأصبح كياناً مستقلاً على الأقلّ من الناحية النفسية. وهذا يعني أنّه بحاجة لبناء عالم خاصّ به ( رفاقه والمجتمع الخارجي ) بعيداً عن العالم الذي تربّى فيه ( عائلته ). ممّا يؤدي إلى حاجة المراهق لتأكيد ذاته والحصول على الشعور بالإستقلالية تجاه نفسه ومجتمعه وعلى وجه الخصوص تجاه والديه. وهذا يفسر لنا العديد من التصرفات الغريبة التي تزعج الأهل وتوصل إلى التصادم واللاّ حل، فهو على سبيل المثال يواجِه مباشرة بالرفض أيّ طلب يُطلَب منه من قبل والديه. وما يزيد الموضوع غموضاً وانزعاجاً عند الأهل هو أنّ ابنهم يستجيب للأوامر نفسها بسهولة لأي طرف خارجي خاصة رفاقه. باختصار إنّ الطرف الأول والأساس في تحويل مرحلة المراهقة إلى أزمة هو التغيّر النفسي العميق واللاواعي عند المراهق والمتمثّل برغبته القوية بتحقيق الإنفصال النفسي عن والديه، ويظهر ذلك من خلال السلوكيات التي يقوم بها المراهق داخل المنزل وخارجه.
إلا أنّ هذه الرغبات اللاواعية عند المراهق لا تكفي لوحدها لإحداث الأزمة وإنّما هناك طرف آخر أساسي وهو الأهل وتحديدا الأم والأب. وحقيقةً فالأساليب التي يتعامل بها الأهل مع المراهق هي التي قد تحدّد طبيعة هذه العلاقة وأزماتها.
فإذا أردنا أن نحدّد المشكلة النفسية الأساسية اللاواعية لدى الأهل، علينا أن نقاربها بحذر ووضوح. فما هي هذه المشكلة؟؟
بالرغم من الأهل يفرحون اجتماعياً بنضج أبنائهم إلا أنّهم على المستوى النفسي لا يقبلون ذلك بسهولة، وهنا تبدأ المشكلة حيث يرفض الأهل استقلالية المراهق بالتأكيد على ممارسة التربية وكأن شيئا لم يتغيّر من خلال رعايتهم لهذا "الطفل" الذي من المفروض أن يتقبل كل ما يريدونه منه. بعبارة أخرى يرفض الأهل على المستوى النفسي اللاواعي هنا القبول بالمرحلة الجديدة لإبنهم المراهق، وهذا يعني مواجهة أكبر لرغباته ومحاولته لتأكيد ذاته في مرحلة المراهقة. وينتج عن ذلك الصدام وتحويل المراهقة إلى أزمة حقيقية قد تترك آثارها على كل مراحل الحياة المستقبلية للمراهق. تمارس هذه السلوكيات اللاواعية لدى الأهل من خلال تبريرات كثيرة منها وهي منطقية جداً مثل الخوف على الشاب من التهور، الإنتباه الى دروسه، كسر قواعد المنزل، قلة التهذيب…الخ. بالرغم من أنّ كل هذه التبريرات منطقية وحقيقية إلا أنّ الطريقة التي تمارس فيها تؤكد على الرغبة اللاواعية لدى الأهل بإبقاء الإبن طفلاً صغيراً.
بالطبع هناك عدة أسباب نفسية تدفع الأهل إلى هذه الرغبات أهمها:
- خوف الفقدان اللاواعي الذي يشعر به الأهل
- فقدان السلطة والخلافات الزوجية
- تقدّم العمر عند الأهل
إذا لم تدرك هذه الرغبات النفسية اللاواعية والمتناقضة بين المراهق وأهله وتعالج بطرق واعية واستيعابية للمراهق من قبل الأهل، قد تتحوّل المراهقة إلى أزمة حقيقية منهكة للأهل والمراهق على حدّ سواء، بل وقد توصل الجميع إلى خيارات مؤذية لا يمكن الخروج منها بسهولة مثل الإدمان أو ما شابه ذلك.
إنّ كل الحلول التي لا تنطلق من جوهر العلاقة بين المراهق ووالديه كما تحدثنا عنها آنفاً لا تؤدّي إلى النتيجة المطلوبة. ولذلك فإن الخطوة الأولى لبناء الحلول هي الإدراك والوعي بالمشكلة والأزمة ثمّ إتّباع الخطوات اللازمة لحلّها. وسنتناول في الجزء الثّاني من هذا الموضوع الحلول العملية للتعامل مع المراهقين.
منقول