الوفاء بالعهد والوعد ثانيًا: في السنة النبوية
فقد وردت أحاديث تأمر بالوفاء بالعهد، وتبين حقيقة الغدر،
وتنهى عنه، وهي كثيرة، منها:
– عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية، وبين الروم عهد،
وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم،
فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر،
وفاء لا غدر. فنظروا فإذا عمرو بن عبسة،
فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة،
ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء )
ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء، أي: يعلمهم أنَّه يريد أنَّ يغزوهم،
وأنَّ الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في ذلك على السواء.
وفيه دليل على أنَّ العهد الذي يقع بين المسلمين وبين العدو،
ليس بعقد لازم لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته،
ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( من صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله،
فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله،
طلبه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه )
وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد،
( فلا تخفروا الله في ذمته )
قال في النهاية: خفرت الرجل: أجرته وحفظته.
وأخفرت الرجل: إذا نقضت عهده وذمامه
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ،
كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان،
وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )
قال ابن عثيمين:
وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد، سواء وعدته مالًا،
أو وعدته إعانة تعينه في شيء، أو أي أمر من الأمور،
إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد،
وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد، ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه:
أواعدك في المكان الفلاني. فليحدد الساعة الفلانية، حتى إذا تأخر الموعود،
وانصرف الواعد يكون له عذر، حتى لا يربطه في المكان كثيرًا،
وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون: أنا واعدك ولا أخلفك،
وعدي إنجليزي. يظنون أنَّ الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز،
ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن،
ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدًا وأردت أن تؤكد:
إنه وعد مؤمن. حتى لا يخلفه؛ لأنَّه لا يخلف الوعد إلا المنافق .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة،
يُرفع لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان )
قوله :
( لكل غادر لواء )
قال النووي:
[ معناه لكل غادر علامة يشهر بها في الناس؛
لأنَّ موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له،
وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك ]
وقال القرطبي:
[ هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل؛
لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء؛
ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر؛
ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف ]
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إن خيار عباد الله الموفون المطيبون )
عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة :
عن أبيه عن جده قال:
استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا،
فجاءه مال فدفعه إلي، وقال:
( بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء )