كل أمورنا منظمة بشكل ولا أجمل ولا أروع.. ولكن الواقع الذي صنعناه بأيدينا.. قبيح لوثناه باللا مبالاة وبالإهمال وبالفوضى.. ثم جلسنا على الأطلال نبكي.. ونوجه التهم إلى بعضنا بعضا.. بل ونقنع أنفسنا أن ما آلت إليه أحوالنا لم تكن لنا يد فيه فهو من صنع أعدائنا أعداء الدين
هل سمعتم بما يدار على مدار الساعة في "أفريقيا الوسطى"، أعتقد ذلك… فالمجازر الجماعية التي تمارس ضد المسلمين هناك، والهجرة الجماعية لقرابة المليون مسلم لا يمكن أن تخفى عليكم، هؤلاء فروا ليس خوفا على أرواحهم وأعراضهم فقط، بل من التمثيل بهم وهم بعد أحياء.. من تقطيع أطرافهم بالسواطير ورجم رؤوسهم بالحجارة وحرق أجسادهم.. من تلك الوحشية التي تتجسد في صور التقطت للوجوه الضاحكة أثناء ممارستها التنكيل بأجساد المسلمين.. لقد فرت تلك الجموع الحاشدة خوفا من أن تترك جثثهم عرضة لافتراس الكائنات الحية أو لتتحلل وتتعفن على الطرقات.
صور حب صور بنات
إن العالم الذي يدعي دفاعه عن الإنسان وعن الضعفاء يعلم يقينا أن هذه الجرائم تقع بيد جيش جمهورية أفريقيا الوسطى، نراه كعادته يُنظر في الأوساط الدولية وخلف المكرفونات، ولما لا؟! فهو يجيد دغدغة مشاعر العامة بكلمات جوفاء لا معنى لها على الأرض.. يجيد رمي فضلاته لتلك الأفواه الجائعة والدواء لأجساد اتخمت بالجروح.
يا إلهي.. إن قلوبنا أضناها الألم من جراء المجازر التي نشاهدها ونسمع عنها على مدار الساعة.. المجازر التي لا تدار رحاها إلا على أرض تتحرك فوقها نفوس مسلمة.. إن الحرب على الإسلام أصبحت ظاهرة عالمية، بل هناك من يحاربه من أبنائه معتقدا أنه يدافع عنه، أصبح الإسلام هو المتهم البريء من دم يوسف، فلن تجد نارا قد أشعلت إلا ولها علاقة بالمسلمين، ولن تجد الدماء قد سفكت إلا لأنها لاصقت أجسادهم ولن ترى المجازر الجماعية قد كدست إلا لأنها تحوي جثثا مسلمة..!!
لا أعرف ما الذي يمكن أن نفعل كشعوب مسلمة بهذه المعضلة التي ابتلينا بها.. فنحن جزء من الحل إن لم نكن جزءا من المشكلة.. علينا كدول وشعوب إسلامية التحرك والتدبر والبحث في ما يعترينا من ضعف وقلة حيلة واستخفاف.. من قبل المجتمع الدولي الذي قد يسره ما يعترينا من خذلان، وقد يصفق في الخفاء لإشعال المزيد منها، من جانب آخر علينا الوقوف صفا واحدا ضد من يحاول الترويج إلى أن ديننا يدعو للقتل والدمار.. علينا أن نصحح مفاهيم شبابنا الذي خرج بعضه عن حدودنا ليقف في صف من يروج أن القتل والغدر والخروج عن ولي الأمر هو الجهاد.. الشباب الذي أفقد معنى حياته وانعدمت أمامه الفرص فلجأ إلى من يفسر فعله جهادا وأن طريقه هو طريق الجنة.
وأنا هنا لا أعني شباب المملكة – حفظهم الله – بل أعني شباب الإسلام بشكل عام.. شباب عالمنا الإسلامي فلا نكاد نرى مكانا يرفع فيه الآذان إلا ونجد فيه فئة تلصق تحركاتها المسلحة بالجهاد، وتزعم لمريدها أن طاعتهم هي طاعة الله، وأن الانضمام لهم سيحقق لهم رضا المولى سبحانه.
علينا أن نواجه عيوبنا الفردية والجماعية، هذا إذا أردنا أن نقيم اعوجاجنا، علينا أن ندرك أننا كشعوب – مع الأسف – عنصر من العناصر الأضعف في هذا العالم.. من حيث العدة والعتاد والتنظيم والتخطيط أيضا، وهو أمر عجيب فديننا منظم بشكل عجيب فإذا تأملنا عبادتنا سنجد أن صلاتنا منظمة وكذلك زكاتنا وحجنا وتسبيحنا وتهليلنا وصدقاتنا بل تعاملنا مع بعضنا البعض ومع المخالفين، ومع الحيوانات والجماد مع طعامنا ولباسنا ونومنا ويقظتنا وحتى ابتسامتنا حتى رفعنا للأذى عن الطريق.. كل أمورنا منظمة بشكل ولا أجمل ولا أروع.. ولكن الواقع الذي صنعناه بأيدينا.. قبيح لوثناه باللا مبالاة وبالإهمال وبالفوضى.. ثم جلسنا على الأطلال نبكي.. ونوجه التهم إلى بعضنا بعضا.. بل ونقنع أنفسنا أن ما آلت إليه أحوالنا لم تكن لنا يد فيه فهو من صنع أعدائنا أعداء الدين.
هل يمكن للجامعات والمؤسسات التعليمية تعزيز ثقة أبنائنا بدينهم وأوطانهم.. ثم هل هم على أتم الاستعداد لسماع ما لا يريدون سماعه عن واجبهم تجاه ذلك كله، وهل نحن قادرون على بيان ذلك دون استفزازهم.. فالوضع الذي نحن عليه لا يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها، ولكن الخطط الاستراتيجية قصيرة المدى وطويلتها لا بد أن تنفذ، ولا بد من معاقبة من يهمل في تطبيقها.. والاهتمام بالشباب ومستقبلهم من أول المهام الرئيسية التي لا بد أن تستحوذ على جل اهتمامنا وجهودنا.
وعن أبناء جيلي سأتحدث.. فقد وجدنا الفرصة لنتأهل ثم لنعمل بل كانت المؤسسات تتصل بنا فور تخرجنا.. تلك الأيام لم نكن نحتاج ليوم المهنة لنعرف بأنفسنا.. فقد كانت كل من المؤسسات العامة والخاصة تتبع خطواتنا لتجذبنا إليها.. كانت السعودة للراغبين من أبناء الوطن متحققة..
اليوم أبناؤنا أكثر تأهيلا ونضجا وأقوى عزيمة ومع ذلك نجد من يعمد إلى خذلانهم وتحطيم أحلامهم.. ولا أفهم إلى متى سندفع أبناءنا أو البسطاء منهم لليأس؟ سندفعهم للبحث عن خلاص.. إلى متى سنتركهم يقعون في حبال من شوه شريعة الجهاد، التي تعد من أعظم شعائر الإسلام؟.. إلى متى نبقى قابعين على أنفسنا دون حراك، مكتفين بتوجيه التهم لهم من بعيد.