تخطى إلى المحتوى

صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاة . الفضيلة السابعة من فضائل صلاة الجماعة السبع

  • بواسطة
صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاةالفضيلة السابعة من فضائل صلاة الجماعة السبع
اخبار قطر الدوحة المقهى القطري

ا

لباب الثاني
فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين
الفصل السابع :


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ وَقَالَ : أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " ( ) وَفِي سنن أبي داود أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " ( )
هذا الحديث بطرقه المختلفة يبين طرفا من فضائل صلاة الجماعة ، وقد علمنا من الخطب السابقة أن الله سبحانه وتعالي قد أكثر من ذكر الصلاة في كتابه الكريم ، وعظم شأنها ، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة .
وقد علمنا أيضا أن السنة النبوية المشرفة قد بينت فضل صلاة الجماعة فى أحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ ًبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " ( ) ومن هنا استطاع بعضُ الشارحين أن يحصى سبعا وعشرين فضيلة لصلاة الجماعة ، سبق لنا إلقاء الضوء على بعض منها ، بدأًًًًًًً بالفضيلة الأولى وهى ترديد الأذان خلف المؤذن ، ثم ثنينا بـالتَّهْجِيرأَيْ التَّبْكِير بالذهاب إلى المسـجد ثم الثالثة وهى المشى إلى المسجد بالسـكينة والوقار ، ثم رابعتها وهى دخول المسجد داعيا ، ثم صلاة التحية كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، وسادستها الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه ، واليوم بفضل الله سبحانه وتعالي مع السابعة من الفضائل السبع والعشرين لصلاة الجماعة ، ألا وهي : صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاة بالمسجد ، والحديث الذى معنا يشهد لهذه الفضيلة السابعة .
فقَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " هذا هو الشاهد من الحديث لموضوعنا ، والمعني : لا تزال الملائكة تصلي ، أي تستغفر للمصلي ، ما دام في المسجد ، والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك . ( )
وقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " وقَوْله صلى الله عليه وسلم : أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " يعني أن المصلي مادام في مصلاه ينتظر الصلاة ، فهو لا يزال في صلاة ، حكما أخرويا يتعلق به الثواب ( ) ، بمعني أنه في ثواب صلاة لا في حكمها ؛ لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة ؛ وهذا يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وهو صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر ؛ لأنه رتب الثواب المذكورعلى المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة بقوله صلى الله عليه وسلم :" مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " ؛ فإن الأعمال بالنيات ، بل نية المؤمن خير من عمله في بعض الأحيان .
ويؤخذ من قَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " أنه إذا انصرف عن مصلاه انقضى ذلك ، وأن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى ، وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئة ، أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر، ولفظه صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة " وأيضا لفظ : " أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " أثبت للمنتظر حكم المصلي ، فيمكن أن يحمل قوله : " فِي مُصَلَّاهُ " على المكان المعد للصلاة ، لا الموضع الخاص بالسجود ، فلا يكون بين الحديثين تخالف . ( )
يستفاد من هذا أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، والجلوس لذلك في المصلي .. في المسجد .. سـبب شرعي محقق لغفران الذنوب بإذن الله تعالي لمن يوفقه الله لذلك ، إذ من المعلوم أن دعاء الملائكة مجاب ، بدليل قوله سبحانه وتعالي : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنْ اِرْتَضَى " وقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " ( ) والحديث الذي معنا يثبت صلاة الملائكة في شأن من تحبسه الصلاة في مصلاه بقَوْله صلى الله عليه وسلم :" وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ " أَيْ تدعو له بالخير وتستغفر له من ذنوبه ( ) وعبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل. ( )
فالملائكة تَقُول : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ " وكلهُ بيان لقوله صلى الله عليه وسلم : " تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ " أي تقول اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، قال الطيبي : طلب الرحمة بعد طلب المغفرة لأن صلاة الملائكة استغفار لهم ( ) ، والفرق بين المغفرة والرحمة أن المغفرة ستر الذنوب والرحمة إفاضة الإحسان إليه .( )
كما أن قَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " مطابق لقوله سبحانه وتعالي : " وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ " ( ) قيل : السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية أوالخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك ، لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك ــ أى تحفظ من الوقوع فى المعاصى ــ فإنه يعوض عن المغفرة بما يقابلها من الثواب ( )
والاستغفار فى الآية هنا عام لكل من فى الأرض ، لكن سورة غافر تبين أن استغفار الملائكة مخصص لعباده المؤمنين فقط ، إذ يقول سبحانه وتعالي : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " ( )
وقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " يؤخذ منه أن صلاة الملائكة ودعاؤهم ، مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى فإِذَا اِنْصَرَفَ عَنْهُ اِنْقَضَى ذَلِكَ ، يؤيد ذلك الرواية عند أبى داود : " أَوْ يَقُوم " : أَيْ أن الملائكة تصلي على أحدكم ما لم يقم من مصلاه ، فإذا قام الرجل فلا يصلون ( )
وَقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِث " أي حدثا حقيقيا ، من الإحداث أي ما لم يُبطل أو ينقض وضوءه ، وظاهره عموم النقض لغير الاختياري أيضا ويحتمل الخصوص ( ) ؛ لما روي أن أبا هريرة لما روى هذا الحديث قال له رجل من حضرموت : وما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فُساء أو ضـِراط ( ) ولعل سبب الاستفسار إطلاق الإحداث عندهم على غير ما ذكر أو ظنوا أن الإحداث بمعنى الابتداع وتشديد الدال خطأ ( ) فالمراد بالحدث حدث الفرج ، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى ، لأن الأذى منهما يكون أشد ، أشار إلى ذلك ابن بطال . وَلعل هذا مايؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ " ، على أن الثانية تفسير للأولى ؛ أَيْ ما لم يحدث منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول ( )
وَقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ " يدل على أن الحدث يبطل صلاة الملائكة على أحدكم ولو استمر جالسا فِي مُصَلاهُ ؛ وأن الحدث فى المسجد خطيئة يُحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاؤهم المرجو بركته، ويدل على ذلك قول الرسول " الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا " ( ) ، فلما كان للنخامة كفارة قيل للمتنخم : تمادى فى المسجد فى صلاتك وابق فيه مدعوًا لك ، ولما لم يكن للحدث فى المسجد كفارة ترفع أذاه كما رفع الدفن أذى النخامة لم يتمادى الاستغفار له ولا الدعاء ، وجب زوال الملائكة عنه لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة . ( )
وفي الحديث بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أو تحول إلى غيره ، كذا في عمدة القاري .
ولكن علينا أن نلاحظ أن َقَوْله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في صدر الحديث : " إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ " يوحي بترتيب الأجر المذكور في الحديث على عدة امور :
أولها : إحسان الوضوء ، " إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ " الفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه ، وهو الإسباغ مع مراعاة الآداب بلا إسراف وزاد في رواية الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، وقال النووي : معنى إحسان الوضوء الإتيان به ثلاثا ثلاثا ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والإتيان بسننه المشهورة … وقال أيضا : ويستحب أن يضم إلى ذلك ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعا : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك . ( )
الثانية : ألا يخرجه من بيته إلا الصلاة ، والمراد إنه ما نوى بخروجه وذهابه للمسجد غيرها ، " أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ " من نهز بالزاي ، ومعناه لا يدفعه وينهضه ويحركه إلا الصلاة ، قال أهل اللغة : نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته ، ونهز رأسه أي حركها ، والجملة بيان للجملة التي قبلها وهي " لا يريد إلا الصلاة " أو حال من فاعل " أَتَى الْمَسْجِدَ " وفي هذا الحث على الإخلاص في الطاعات ، وأن تكون متمحضة لله تعالى . ( )
وقال ابن بطال : فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير تعب فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته لقوله سبحانه وتعالي : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنْ اِرْتَضَى " ( ) ، وقد أخبر عليه السلام أنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ، وتأمين الملائكة إنما هو مرة واحدة عند تأمين الإمام ، ودعاؤهم لمن قعد فى مصلاه دائمًا أبدًا ما دام قاعدًا فيه ، فهو أحرى بالإجابة ، فعلى كل مؤمن عاقل سمع هذه الفضائل الشريفة أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا تمر عنه صفحًا. ( )
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.