صدر عن الدار المصرية ـ اللبنانية في القاهرة كتاب «فقه العمران.. العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية» من تأليف الدكتور خالد عزب. هذا المؤلَّف الفائز بجائزة أفضل كتاب في الوطن العربي من مؤسسة الفكر العربي، يعد دراسة شاملة للعلاقة بين العمارة الإسلامية والمجتمع، الذي صاغ بيئتها، والدولة التي تكشف من خلالها حدود سلطتها في المجال العمراني.
يرتبط فقه العمرن بإطارين حاكمين له من الناحية الفكرية كما يرى المؤلف، الإطار الأول: السياسة الشرعية، والإطار الثاني، هو فقه العمارة.
جاءت تساؤلات المسلمين للفقهاء في هذا المجال، لرغبتهم في تشييد عمائر تتناسب مع قيمهم وحضارتهم، وتراكمت أحكام فقه العمران مع مرور الزمن لتشكل إطارا قانونيا يلتزم به الحكام قبل المحكومين.
تخطيط المدن
تناول الكتاب دور الفقه في التنظيم والتخطيط العمراني للمدن، حيث قسم عزب الشوارع وأحكامها إلى ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأول الطرق العامة: وهذا الطريق مباح لجميع الناس استخدامه، بشرط عدم الإضرار بالمادة عند ارتفاق الطريق.
المستوى الثاني هو الطريق العام الخاص: وهو أقل درجة من الطريق العام.
المستوى الثالث الطريق الخاص: وأفضل أمثلة لهذا الطريق هو الطريق غير النافذ، وهذا الطريق ملك لساكنيه فقط.
عمارة المساجد
ويعرض الكتاب إلى فقه عمارة المساجد، بدءًا من عمارة المسجد النبوي في المدينة المنورة. ويفصل المؤلف عناصر المسجد المعمارية مثل حائط القبلة، فالاتجاه إلى القبلة شرط لصحة الصلاة، لذلك حرص المسلمون على ضبطه وترتب على ذلك براعة المسلمين في علوم الهندسة والفلك، كما خصص في حائط القبلة محراب عميق للأمام، ويكشف المؤلف أن المحراب عنصر معماري عرف عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وجدده عثمان بن عفان.
أما المآذن فعلى عكس كثيرين من خبراء العمارة يرى الباحث أن المئذنة بدأ ظهورها في عصر الرسول في تجديده للمسجد النبوي. وتطرق عزب إلى تطور عمارة المآذن، ثم عرج إلى بعد اجتماعي وهو ضرر الكشف، حيث يستطيع المؤذن كشف الجيران من أعلى المئذنة، وأثر ذلك على فتحات الإضاءة الطولية بالمآذن.
الأسواق والمساكن
مثلت الأسواق جانبا آخر من العمارة الاسلامية ومنشآتها التجارية، فبناء الأسواق عند المسلمين مندوب، وبتطبيق القواعد الفقهية يرى المؤلف أن هناك اعتبارات عديدة في تخطيط أسواق المدن، لعل أولها: التوزيع المكاني الذي حكمته الحاجات المتكررة للسكان والضرورية التي قد تتطلب وجود أسواق معينة.
وثاني القواعد الحاكمة للأسواق هي التخصص: حيث صنفت السلع والصناعات في المدن بحيث توجد كل حرفة أو تجارة على امتداد الشوارع الرئيسية.
وجاء الفصل الخامس لتفصيل رؤية الإسلام لعمارة المساكن فيما ذكره ابن القيم الجوزية عن هدى الرسول في عمارة مسكنه، وأكد هذه الفلسفة قول ابن العربي عن المساكن، حيث يذكر «إن الله سبحانه و تعالى خصص الناس بالمنازل، وسترهم فيها عن الأبصار، وملكهم بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على من فيها من الخارج، أو يلجوها بغير إذن أربابها، لئلا يهتكوا أستارهم. لكن سنقف كثيرا في هذا الفصل أمام تكوين واجهات منازل مدن مثل شبام ورشيد وفوه وبغداد والموصل التي تعد أشبه بتكوين قصصي، فمكوناتها تروي حكاية تكوين المبنى، وترسم ملامحه.
منشآت عامة
يكثف عزب عبر الفصل السادس بحثه في فقه المياه والمنشآت المائية في الحضارة الإسلامية، حيث تعتمد الرؤية الإسلامية للماء على كونه أصل الحياة وهبة من الله وشراب المعرفة، وللماء إضافة إلى هذا معنى تطهيري لأنه يطهر المسلم خارجيًا (جسده) وداخليًا (روحه). كما أن إمداد الآخرين بالماء، إنساناً كان أو حيوانًا، يعد من الزكاة في الإسلام.
كما يتعرض لعمارة السقايات والأسبلة وهي صهاريج عامة تعلوها منشأة لتسبيل المياه للعامة وتوفر أحياناً المياه للمنشآت العامة ولمنازل الفقراء.
ظاهرة «الاوقاف»
ظاهرة «الاوقاف» كان لها صلة أيضا بالعمارة الاسلامية وما تؤديه من خدمات اجتماعية كالبيمارستانات أو المستشفيات، التي وصل بعضها الى درجة كبيرة من الشهرة عالمياً حيث لم تكن مجرد أماكن للعلاج وإجراء العمليات الجراحية بل كانت تدرس الطب وتجري فيها الأبحاث العلمية.
ويعد الفصل الثامن هو محصلة الإبداع المعماري في الحضارة الإسلامية، حيث تعرض فيه المؤلف لابتكارات المسلمين. ويعرفنا المؤلف على طائفة المعماريين ودورها الحضاري، ويكشف لنا عن أصول الرسم المعماري ونماذجه لدى المسلمين.