في الوقت الذي تهبط فيه اسعار النفط الكويتي الى منطقةRED ZONE تصدمنا تصريحات من قيادات نفطية، بأنها ماضية في تنفيذ استراتيجية 2024 التي تهدف الى زيادة انتاج النفط الى 4 ملايين برميل يوميا، ومن بينها مشروع انتاج النفط الثقيل الذي يكلف خزينة الدولة 4.5 مليارات دولار، لإنتاج 60 الف برميل يوميا قابلة للزيادة !؟
يبدو ان مؤسسة البترول الكويتية لم تتعلم من الاخطاء الاستراتيجية السابقة المتعلقة بأهداف استراتيجية 2024، ومنها على سبيل المثال
1 – بناء 8 ناقلات نفط عملاقة جديدة لاستخدامها غطاء استراتيجيا بتكاليف عالية جدا وصلت الى 160 مليون دولار اميركي للناقلة الواحدة في عام 2024، قبل تراجع اسعار النفط بقليل، في حين بلغت كلفة بناء الناقلة الواحدة 100 مليون دولار، بعد هبوط اسعار النفط مباشرة. علما بأنه كان بالإمكان تعديل المسار، سواء بشراء ناقلات جديدة، او شراء مستعملة بالمواصفات الاساسية نفسها من السوق، وكانت متوافرة بشكل كبير، طالما الغرض من استخدامها هو غطاء استراتيجي! لكن المؤسسة مضت بتنفيذ المشروع، ببناء تلك الناقلات، بحجة انه يلبي متطلبات استراتيجية 2024 ! على الرغم من تراجع اسعار الشحن والتأجير، واليوم هذه الناقلات المصممة بأعلى المواصفات، لا تحقق عوائد مادية فعلية للمؤسسة، بعضها يؤجر للسوق الخارجي لا تغطي تكاليفها التشغيلية، والآخر متوقف، مما يؤكد ان هذه الناقلات بنيت بعدد اكثر من الاحتياجات الفعلية للمؤسسة.
2 – الاستعجال في عمل شراكة مع شركة داو كيميكال بكلفة 18 مليار دولار اميركي، وعلى الرغم من التحذيرات، وهبوط اسعار النفط عام 2024 لكن المؤسسة مضت في عقد الشراكة، بحجة تنفيذ متطلبات استراتيجية 2024، وانتهت المؤسسة الى التراجع عن تنفيذ اتفاقها المتسرع، وتحملها دفع الشرط الجزائي بحدود 2.2 مليار دولار اميركي، اضف الى ذلك التعهد بعدم مقاضاة داو كيميكال، والتعرض لمشاريعها المحلية.
3 – بناء المصفاة الرابعة بكلفة عالية جدا – مصفاة الزور حاليا- بهدف تزويد محطات الكهرباء بزيت الوقود قليل الكبريت، للمحافظة على البيئة، وتزويد السوق العالمي بمنتجات عالية الجودة، وأيضا منفذ لتصريف النفط الثقيل، بينما كانت وزارة الكهرباء العميل الاول للمؤسسة، تبني محطات توليد الكهرباء بتوربينات تعمل على الغاز !؟ مما اضطر المؤسسة لبناء رصيف مؤقت لاستقبال سفن الغاز الطبيعي المسال، وبعد 5 سنوات، التفكير لبناء رصيف دائم للغاز الطبيعي ! وعلى الرغم من ان انتاج زيت الوقود قليل الكبريت بحدود 225 الف برميل يوميا من المصفاة الجديدة لن يغطي ثلث احتياجات وزارة الكهرباء من الوقود، كما ان تكرير النفط الثقيل المزمع انتاجه لن يحقق ارباحا، بل ان تكلفة تكرير هذا النوع من النفوط في المصفاة الجديدة سيكلف 3.5 دولارات للبرميل، فماذا ستحقق من عوائد استراتيجية 2024 اذن ؟
4 – مشروع الانتاج المبكر بكلفة 570 مليون دينار الذي مازال متعثرا، ومشروع انتاج النفط الثقيل بكلفة 4.5 دولارات هي ايضا من متطلبات احتياجات استراتيجية 2024، ولكن مع هبوط اسعار النفط العالمية وخسارتها %45 من قيمتها، نجد نفس السيناريو يطبق دون مراعاة ان كلفة انتاج النفط الثقيل مابين 88-90 دولار للبرميل لن يكون مجديا ماديا ،فلا يمكن بيع هذا النفط بسعر 95 دولارا للبرميل، بينما نجد الاسعار الحالية للنفط الخفيف يباع بحدود 55 دولارا للبرميل، وان الاسعار المستقبلية للسنوات القادمة وفق بعض التقارير المتخصصة لن تزيد عن 90 دولارا في افضل الاحوال، بسبب تزايد المصادر البديلة، من بينها النفط الصخري.
المؤسسة للأسف الشديد لم تأخذ بالحسبان عند وضع استراتيجيتها 2024 المعدلة اكثر من مرة دخول منافس جديد، ودخول منتج جديد. فهناك عدة احتمالات، اما استراتيجية 2024 ناجحة، والقائمون على تنفيذها لا يستطيعون تحقيق اي مكاسب كبرى من هذه الاستراتيجية، لضعف المهارات القيادية، وإما ان استراتيجية 2024 فاشلة، والقائمون على تنفيذها يملكون المهارات القيادية، ولكن عاجزين عن تصحيح مسارها الخطأ، لتحقيق الارباح وزيادة في العوائد المادية. وهذا يدعونا للتساؤل: كيف ولماذا خسرت المؤسسة من ارباح عام 2024 / 2024 نحو 1.5 مليار دينار كويتي، بالرغم من كل عوامل السوق الداعمة للنجاح، منها ارتفاع اسعار النفط !
ان الاستراتيجية الحقيقية الناجحة، لابد ان تعكس التغيير الايجابي لمسارها، بعد مضي نصف الوقت، وان تضع المؤسسة في وضع تنافسي متميز في مختلف الانشطة النفطية، ان الاستراتيجية الحقيقية الناجحة لا بد ان تعطي قيما مضافة وعوائد مادية فعلية، لا تعتمد الشركات النفطية التابعة على الدعم الاداري والمادي من مؤسسة البترول، لتغطية القرارات الادارية الفاشلة والخسائر المالية المتراكمة، ان الاستراتيجية الحقيقية الناجحة لا بد ان تضع الكفاءة المناسبة في موقع المسؤولية المناسبة، وليس لملء شواغر، لنجد مسؤولا في التخطيط لا علاقة له بالتخطيط، ومسؤولا في الناقلات لا علاقة له بالنقل، ومسؤولا في الاستكشاف الخارجي، لا علاقة له بالنفط الصخري والرملي، ومسؤولا في الشؤون الادارية لا علاقة له بالموارد البشرية وتنمية القوى العاملة. لذا ننبه ونحذر المسؤولين عن القطاع النفطي من الاستمرار بالصرف على مشاريع تستنزف الثروة النفطية للبلاد، ومن سوء توظيف للعوائد المادية في مشاريع لا تحقق اي مكاسب حقيقية للبلد.
عبد الحميد العوضي
خبير متخصص في تكرير وتسويق النفط