استشارات طبيه علميه طب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمري 36 سنة، أعاني من القلق والتوتر والقولون، منعزل تماماً عن الآخرين، وأفكر كثيراً جداً، وأفكاري فارغة وسيئة، ولا أستطيع أن أتوقف عن التفكير، ولا أخرج من البيت إلا نادراً، ولا أعمل ولدي فراغ كبير، حاولت ملأه، ولكن ليس لدي رغبة في عمل شيء، ولا أجد أي متعة في الحياة، قطعت جميع علاقاتي الاجتماعية والأصدقاء، وحتى الأقارب والمناسبات العائلية.
أفكر كثيراً في العيش خارج السعودية، ولكن ظروفي تمنعني، ذهبت لأطباء كثيرين، ويصفون لي أدوية القولون، والمعدة مثل دوسبتالين، ودوغماتيل وهايبوسك الخ، ولم أتحسن، وفي السنوات الأخيرة انتقلت للسكن لوحدي، وزادت حالتي سوءًا، وأصبحت أجبر نفسي على الاستفراغ لأتخلص من الانتفاخ، وعسر الهضم، ونزل وزني من 65 إلى 55 كيلو.
قبل أشهر أصبحت أعاني من صعوبة في البلع وتردد وخوف أن تقف اللقمة في حلقي، وأفكر وأتردد قبل أن أبلغ اللقمة، ولم أعد آكل جيداً، ونزل وزني أكثر.
ذهبت للطبيب، ووصف لي سيبراكس، ولكني خفت وترددت ونصحني كثيرون ألا أتناوله لتأثيراته الجانبية، وتسببه بالإدمان وغيره، وذهبت إليه مرة أخرى ووصف لي دواءً يقلل التقلصات، وتحسن البلع وعندما أنتهى العلاج عاد مرة أخرى.
حالتي الآن سيئة، وأريد أي علاج يخرجني من هذا الجحيم الذي أعيشه، طرحت مشكلتي هنا لأني لا أريد الذهاب الى طبيب نفسي مرة أخرى.
كانت لي تجارب مع الأطباء النفسيين وللأسف أنهم ماديون تهمهم المادة فقط، واتجهت لمستشفى الأمل للصحة النفسية، وهو حكومي، ولم أستفد مثله مثل كل المستشفيات الحكومية.
أتمنى أن أجد الحل والعلاج لديكم بعد الله – جزاكم الله كل خير.
ملاحظة: لدي تجربة قديمة مع مضادات الاكتئاب، وسببت لي تأثيرات جانبية مرعبة، وهذا سبب خوفي منها.
جزاكم الله خيراً، وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
لا شك أن التفكير السلبي يُهيمنُ عليك للدرجة التي أضعفت إرادتك أن تقوم بعمل أي شيءٍ لتُحسِّن من حالك، هذه هي النقطة الجوهرية والارتكازية التي يجب أن تناقشها مع نفسِك؛ لأن التغيير لا بد أن يأتي منك أنت.
أيها الفاضل الكريم: ما مضى لا تأسَ عليه، والمستقبل لا تخاف منه، عش الحاضر بشيء من التخطيط، بدافعية جديدة، والبدايات تكون تدريجية وتدريجية جدًّا، ثم ترفع مُعدَّل تفاعلك الاجتماعي، وتغيير نمط حياتك، ولا مانع من أن تتناول أحد الأدوية المضادة للاكتئاب والمحسِّنة للمزاج.
إذًا هذه هي الطرق التي تُعالج بها نفسك، وأنا أريد أن أقول لك -أخِي- وأُحتِّم على هذه النقطة أن الإنسان قد حباه الله تعالى بقوة ذاتية داخلية، وحتى علماء الاقتصاد – ومنهم العالم البريطاني آدم سميث – يقولون: حتى في أيام الانحطاطات المالية والتدهور المالي: يمكن للأمور أن تُصحح ذاتها بذاتها؛ لأنه توجد يد خفيَّة غير معروفة تضع الأمور في مسارها الصحيح، حتى في وقت الركود الاقتصادي، والتدخلات الكثيرة لا تُفيد.
أعتقد أن نفس هذا المفهوم ينطبق على الإنسان، بأن الله تعالى قد أودع فينا بالفعل قوة داخلية قد تكون معطلة بعض الشيء، قد تكون جامدة، قد تكون مختبئة، لكن حين نتذكر قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم} أعتقد من خلال هذا المبدأ القرآني العظيم يستطيع الإنسان أن يتغيَّر.
انا أريدك أولاً أن تشعر بطعم الحياة، وأن تعرف أن الحياة عظيمة، وأنها هبة من الله، وأنه من حقك أن تستمتع بها، وأنه لا أحد يستطيع أن يُغيِّرك، هذه يجب أن تكون مبادئ راسخة جدًّا.
الذهاب إلى المستشفيات، وتناول الأدوية لوحده لا يُفيد، والطبيب النفسي أو غيره لا ليس لديه أي مُعيذات (تعويذات) يُغيِّر من خلالها البشر، مجرد توجيه، مجرد مساندة، لكن التغيير يجب أن يكون مِنَّا أيها الفاضل الكريم.
أشياء بسيطة يجب أن تقوم بها:
أولاً: حاول أن تنام مبكرًا، هذا يجعل حاجتك البيولوجية للنوم أكثر ترتيبًا، النوم المبكر يُجدد الطاقات، يُعطي فرصة كبيرة لخلايا الدماغ؛ لأنه يتم ترميمها، وهذا يبعث رسائل إيجابية جدًّا للجسم، وكذلك للدماغ، والنوم المبكر يؤدي إلى اليقظة المبكرة، يُمكِّن الإنسان من أداء صلاة الفجر، والبكور فيه خير عظيم، بعد ذلك تُحاول أن تدخل في نشاطات الحياة تدرجًا، إذًا هذه هي النقطة الأولى.
ثانيًا: ممارسة شيء من الرياضة، حتى ولو لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة في اليوم.
ثالثًا: أن تقوم بزيارة صديق أو زيارة مريضٍ، أو تذهب إلى الأسواق، أو شيئًا من هذا القبيل، هذه كلها تحرُّكاتٍ إيجابيةٍ جدًّا تُساعدك في حُسن إدارة الوقت.
رابعًا: الأمل والرجاء يجب أن يكون موجودًا، وأنت رجل حياتك ذات قيمة، فأنت رجل متزوج، لديك ما تعيش من أجله، ادفع نفسك دفعًا إيجابيًا، ولا تتردد كثيرًا بين الأطباء، هذا أنصحك به.
وبالنسبة للعلاج: السبرالكس دواء رائع جدًّا، لكن يجب أن تلتزم بجرعته، وتتناوله لمدة عامين على الأقل، وسوف تجد أنه قد أفادك كثيرًا.
أما بالنسبة لما ذُكر لك أنه يُسبب الإدمان فهذا أمرٌ ليس بالصحيح، هذا خطأ، السبرالكس لا يُسبب الإدمان، من آثاره الجانبية فقط أنه قد يزيد الوزن، وبالنسبة للمتزوجين قد يؤخر القذف المنوي قليلاً، لكنه لا يؤدي إلى تأثيرات سلبية على ذكورة الرجل.
ومواصلة الجرعة بعد الجرعة من الدواء هي الطريقة الصحيحة التي تؤدي إلى البناء الكيميائي الكامل للدواء، مما يعود عليك – إن شاء الله تعالى – بالنفع الكبير.
ولا شك أن التواصل مع طبيب سوف يُدعِّم لك قناعاتك بأهمية الدواء، مهما كانت تجاربك سالبة مع بعض الأطباء فإن شاءَ الله تعالى تجد من هو خير ويتفهم ظروفك ويتعامل معك على هذا الأساس.
جرعة السبرالكس: ابدأ بخمسة مليجرام– أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – استمر عليها لمدة عشرة أيام، وهذا يُعطيك فرصة ممتازة جدًّا بأن لا تحسُّ بأي آثار جانبية سلبية، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى عشرة مليجرام واستمر عليها لمدة شهرين، ثم اجعلها عشرين مليجرامًا يوميًا – وهذه هي الجرعة العلاجية التي يجب أن تستمر عليها – لمدة عامٍ ونصف، ثم اجعلها عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهرٍ، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.
أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تأخذ ما أوردناه لك من إرشاد بصيغته الكاملة وبصفته المتكاملة؛ لأن ذلك سوف يعود عليك – إن شاء الله تعالى – بخير كثير، حيث إن العلاج السلوكي والاجتماعي والدوائي تتضافر مع بعضها البعض لتؤدي إلى النتائج المرجوة – بإذن الله تعالى -.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
منقووووووووووول