الفراغ
الثقافي لا تنقذه منشآت ومبانٍ
في هذه الصفحة تحديداً نشر موضوعان في الفترة الأخيرة يمثلان مفارقة، الأول عن افتتاح معرض الكتاب، وتصريح رسمي بهذه المناسبة عن دعم القيادة السياسية الثقافة والتنمية المعرفية، وهذا الكلام طبعا في ظل موضوعات ونقاشات استمرت طيلة أيام معرض الكتاب، كان عنوانها العريض هو الرقابة التي هي أحد أشكال منع حرية التعبير وحرية وصول المعلومة للقارئ وقيد على المعرفة والإبداع. الموضوع الثاني المنشور في الصفحة كان عن إعلان علي اليوحة، الأمين العام للمجلس الوطني للفنون والثقافة والأداب، عن مشاريع ثقافية جديدة في الكويت، أو تحديدا افتتاح مبان مثل مسارح ومتاحف ومجمع ثقافي ودار أوبرا، إضافة الى توسيع مساحة الفعاليات الثقافية، كما قال، لتمتد خارج العاصمة، وسوق إلكتروني لبيع إصدارات المجلس. هذا الكلام والمشاريع القادمة تبدو امورا جميلة ومهمة لولا أنك
لا تستطيع أن تتجاهل السؤال عما إذا كانت الثقافة أبنية ومنشآت؟
فراغ المضمون
كل ما يخص تنمية الفرد ثقافيا وعلاقة الدولة بالثقافة وتشجيعها يدل عل عكس ذلك، بدءا من العملية التعليمية والمناهج التي هي الأساس الأول، إلى ما بعد ذلك من مظاهر ثقافية مفرغة من مضمونها، بحيث يبدو أن للثقافة مساحة، ولكنها فعليا مساحة فارغة. الكل أصبح يعرف مشاكل مجلة العربي والمطبوعات الثقافية الأخرى التي تصدر في الكويت. ويعرف فعاليات مهرجان القرين التي تتعرض للنقد سنويا من دون أي رغبة في تطويرها. ويعرف أن تشجيع التنمية المعرفية لا يعني الرقابة على الكتاب.
قرار سياسي
لم يكن عدم وجود مبان ومسارح حديثة هو العائق أمام إقامة فعاليات ثقافية مهمة، أو استقدام فرق مسرحية أو موسيقية عالمية ذات قيمة، فهناك تجارب مسرحية مهمة تعرض خارج الصالات على سبيل المثال. ولم تكن المكتبات العامة فارغة الرفوف، لأنه لا توجد كتب مهمة تملأ فراغها. إذا البنية التحتية الثقافية ليست إنشاءات ومباني، بل هي مشروع ثقافي بقرار سياسي.
عقدة وحل
الوضع الثقافي في الكويت مشتبك مع الوضع السياسي وقوى الضغط في المجتمع، وبالتالي فإن خلق حالة ثقافية نشطة لن يكون بعيدا أبدا عن القلق من حسابات الصدام مع من فرضوا رقابتهم على الحرية والفكر، ومنذ سنوات لم يحسم صراع كانت الثقافة طرفا فيه لمصلحتها، بل لمصلحة من يحاربها.
وبالتالي لا تستطيع أن تتخيل حالة ثقافية مختلفة ومبشرة، وأنت تلتف حول العقدة من دون حلها. ولهذا كانت المفارقة التي ذكرت بداية بين معرض يحاصر الكتاب ويمنعه كأحد رموز وأدوات الثقافة، وبين وعد بمشاريع نتمنى ألا يكون دورها هو استيعاب الفراغ والفعاليات التي تحدث صوتا ولا تترك أثرا، وتستكمل حالة المظاهر الثقافية التي لا تداري غياب المشروع الثقافي.
