خطبة الحرم النبوي10 /4 / 1445هـ الشيخ د.عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي10 /4 / 1436هـ (االبيعة وأحكامها ) الشيخ د.عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي10 /4 / 1445هـ (االبيعة وأحكامها ) الشيخ د.عبدالباري الثبيتي

بسم الله الرحمن الرحيم

البيعة وأحكامها

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "البيعة وأحكامها"، والتي تحدَّث فيها عن البيعة للحاكم، مع ذكر فوائدها وأهميتها، وبيان الأحكام المُتعلِّقة بها، في ضوء الكتاب والسنة.

https://www.youtube.com/watch?v=i8Z79rankaA

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله الذي خلقَ الخلقَ لعبادتِه صلاةً وزكاةً وحجًّا وصيامًا، نحمدُه – سبحانه – ونشكرُه ونذكُرُه قعودًا وقيامًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حفِظَنا صحوةً ونِيامًا، ونشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أُسوةً وقائدًا وإمامًا، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه الذين كانوا للحقِّ رِماحَ الحقِّ سِهامًا.

أما بعد:

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله.

في حياة الأُمم محطَّاتٌ تاريخيَّةٌ، ومُنعطَفاتٌ قوية. تكشِفُ مكنونَها، وتُبرِزُ قِيَمَها، وأصالةَ معدِنِها.
تظهرُ حقيقةُ الأُمم وقتَ المِحَن والشدائِد .. صلابةَ بُنيان .. ورُسُوخَ فهمٍ وعلمٍ. مِحَنٌ وشدائد تعصِفُ بأُممٍ فتسقُطُ وتهوِي، وأُممٌ تقوَى ويشتدُّ ساعِدُها، وتتعمَّقُ جُذورُها، بل وتتفجَّرُ طاقاتُها، وتسمُوا هِممُها.

موتُ زُعماء الأمة وقادة الوطن – رحمهم الله وغفرَ لهم – حدثٌ عظيمٌ له أثرُه، ومُصابٌ جَلَلٌ له وقعُه، وثُلمةٌ في البُنيان يُرَى صدعُه.

لكنَّ هذه الشدائِد لا تُوهِنُ عزمَ الرجال، ولا تفُتُّ في عضُدِ الأوطان، ولا تُوقِفُ عجَلَةَ الحياة؛ فهي أمةٌ ولُود. احتضَنَ الجميعُ الأحداث، وذابَت الفوارِق، وقوِيَت الصِّلات في لقاء البَيعة، ومشهَد تراصِّ الصفوف؛ حيث بايَعَ الناسُ حُكَّامَهم، وسيُسجِّلُ التأريخُ لوُلاة أمرِنا وعلمائِنا وبنِي قومِنا هذا اللقاءَ المَهيب، والموقِفَ الرَّهيب، (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].

شهِدَ وطنُنا هذا الميثاقَ الإسلاميَّ العظيمَ، وجسَّد عمليًّا تلاحُمَ البُنيان. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: 10].
وقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ومن بايَعَ إمامًا فأعطاهُ صفقَةَ يدِه، وثمرَةَ قلبِه فليُطِعهُ إن استَطَاع».

بَيعةٌ وَقَتِ البلادَ الشُّرورَ، وحصَّنَت الحِمَى، واستقرَّ الأمرُ، ودخلَ الناسُ بها ساحةَ الأمان. هدوءُ العُقلاء، وثقةُ الصادقين؛ فلا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعةَ إلا بإمارة، ولا إمارةَ إلا بطاعةٍ.

قال الإمام الماورديُّ – رحمه الله -: “لا بُدَّ للناسِ من سُلطانٍ قاهرٍ، تأتلِفُ برُمَّته الأهوِيةُ المُختلِفة، وتجتمِعُ بهَيبَتِه القلوبُ المُتفرِّقة، وتُكفُّ بسَطوَته الأيدي المُتغالِبة، وتُقمَعُ مع خوفِه النفوسُ المُتعانِدة والمُتعادِية؛ لأن في طبائِع الناس من حبِّ المُغالَبَة والقهرِ لمن عانَدُوه ما لا ينكَفُّون عنه إلا بمانعٍ قويٍّ ورادِعٍ ملِيٍّ”. اهـ كلامُه – رحمه الله -.

أمرَنا الإسلامُ بلُزومِ جماعةِ المُسلمين؛ فهي المخرَجُ والمنجَا – بإذن الله -؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أرادَ بُحبُوحةَ الجنة فليلزَم الجماعة؛ فإن الشيطانَ مع الواحِد، وهو من الاثنَين أبعَد».

يدُ الله مع الجماعة، ويدُ الله على الجماعة، ينصُرُهم .. يُؤيِّدُهم .. يُسدِّدُهم متى ما كانوا على الحقِّ مُجتمِعين، وطاعةِ الله وطاعةِ رسولِه سالِكين؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثُ خِصالٍ لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومُناصحةُ وُلاة الأمر، ولُزومُ الجماعة؛ فإن دعوتَهم تُحيطُ من ورائِهم».

لقد بدأَ البَيعةَ العلماءُ في ملحَمةِ اللُّحمةِ بين الحُكَّام والعُلماء. فالعُلماء مناراتُ الهُدى، ومعالِم الطريق، وهم أهلُ البصر الحَديد والرأي السديد، وهم في وطنِنا لبِناتُ بناءٍ مع حُكَّامنا، ومعاوِلُ هدمٍ للفسادِ والإفساد، ولأثرِهم البَليغ صِيانةُ الأمة والوطن.
يعمَدُ الأعداءُ إلى تشويهِ سُمعتِهم، وضَربِ مواقِفِهم للوَقيعَةِ بينهم وبين الحُكَّام،ونشرِ الفتنة والفوضَى، وبثِّ تيارات الغُلُوِّ والضلال.

ومن واجبِ العُلماء: نُصحُ الحُكَّام، وما يجِبُ عليهم فعلُه، وما يجِبُ عليهم تركُه. والأصلُ في ذلك السرُّ.
انبَرَى الناسُ للبَيعَة والطاعة على مُقتضَى شرعِ الله. وهذا ما تفرَّد به الإسلامُ عن غيرِه من المذاهِبِ الوضعيَّة؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ومن ماتَ وليس في عُنقِه بَيعَةٌ ماتَ ميتةً جاهليَّة».
وهي: إعطاءُ العهد من المُبايِع على السمع والطاعة للإمام، في غير معصيةِ الله، في المنشَط والمكرَه، والعُسرِ واليُسر.

ويكفِي في بَيعَة الإمام أن يقَعَ من أهلِ الحلِّ والعَقد، ولا يجِبُ الاستِيعاب، ولا يجِبُ على كل واحدٍ أن يأتي إلى الإمام فيضَعَ يدَه في يدِه ويُبايِعُه.

ومن مُقتضَى البَيعَة: النُّصحُ لوليِّ الأمر، والدعاءُ له بالتوفيق والهداية، وصلاحِ النيَّة والعمل، وصلاحِ البِطانة؛ ليُهيِّئَ الله له وزيرَ صدقٍ يُعينُه على الخير، يُذكِّرُه إذا نسِي، ويُعينُه إذا ذَكَر.
والواجبُ على الرعيَّة وعلى أعيانِ الرعيَّة: التعاوُنُ مع وليِّ الأمر في إقامةِ الدين، وإصلاحِ أحوال المُسلمين بكلامٍ طيِّبٍ وأسلوبٍ حسنٍ.

الأمةُ كلُّها، والوطنُ بجميعِ فِئاتِه كالجَسَدِ الواحِد: المودَّةُ شِعارُه، والرحمةُ دِثارُه.
وللمودَّة بين الوُلاة والرعيَّة أهميةٌ كُبرى ومزِيَّةٌ عُظمى؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «خِيارُ أئمَّتكم الذين تُحبُّونَهم ويُحبُّونَكم، وتُصلُّون عليهم ويُصلُّون عليكم، وشِرارُ أئمَّتكم الذين تُبغِضُونَهم ويُبغِضُونَكم، وتلعَنُونَهم ويلعَنُونَكم». قالوا: قُلنا: يا رسولَ الله! أفلا نُنابِذُهم عند ذلك؟ قال: «ما أقامُوا فيكم الصلاة، ألا من ولِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصيةِ الله فليَكرَه ما يأتي من معصيَةِ الله، ولا ينزِعنَّ يدًا من طاعةٍ».

نرَى هذا التلاحُمَ الكبير، والأُلفَةَ الفاعِلة بين الحاكِم والمحكُوم، والراعِي والرعيَّة. الأمرُ الذي أزهَقَ كيدَ المُتربِّصين، ومكرَ المُزايِدين، وثبَّتَ أركانَ الولاية، وحفِظَ دعائِمَ السِّيادَة، فالتَأَمَ الشملُ، وذبَلَت العُنصريَّة، وزالَت العصبيَّة، وماتَت الضَّغينة، وعلا صوتُ الحقِّ والعدل، وغلَّبَ الوطنُ المصلحةَ العُليا؛ قال الله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال: 63].
قال ابن مسعودٍ – رضي الله عنه -: كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يمسحُ مناكِبَنا في الصلاةِ ويقول: «استَوُوا ولا تختلِفُوا فتختلِفَ قلوبُكم».

إن هذه البلادَ تمُرُّ بتحديَّاتٍ عظيمة، تتلاطَمُ فيها الخُطوبُ، وتتشابَكُ فيها الفِتَن، وهي مُستهدَفةٌ لقَطعِ جُذورِها، ووأدِها في مهدِها؛ فهي معقِلُ الإسلام، ومأرِزُ الإيمان.
ولكن ليعلَمَ الشانِئُون أنهم لن ينالُوا من عقيدتِها، ولن يبلُغُوا حِماها؛ فهي عصِيَّةُ على الطُّغيان، شديدةُ البأسِ على العُدوان، بناؤُها من الداخِلِ متين، وهي – بإذن الله – حِصنٌ حَصين. صُفُوفُها مُتراصَّة،لا يشُوبُها فُرَجٌ وخلَل،سيحفَظُها الله بيَقَظَة وُلاة أمرِها، وإخلاصِ عُلمائِها، مع الجِدِّ والعمل.

كما أننا مُطالَبُون بنَبذِ كل صورِ الفُرقة أو من يدعُو إليها، بالقولِ أو بالفعلِ أو بحملِ السلاح، أو بالتحريضِ؛ قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159]، وقال: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
وقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تختلِفُوا؛ فإن من كان قبلَكم اختلَفُوا فهلَكُوا».
ويقولُ مُعاويةُ بن أبي سُفيان – رضي الله عنهما -: “إياكم والفتنة، فلا تهمُّوا بها؛ فإنها تُفسِدُ المعيشَة، وتُكدِّرُ النعمةَ، وتُورِثُ الاستِئصال”.

لقد ماتَ حاكمٌ وقامَ بالأمر حاكمٌ، والجميعُ يجعلُ الكتابَ والسنةَ أساسَ التحكيم، ومُرتكَزَ التشريع. وهذا سببُ سيادة الوطن، ونجاة الخلق، وسعادة الحياة، وطِيبِ العيش؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24].
وقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «فإن هذا القرآن سببٌ طرَفُه بيدِ الله وطرَفُه بأيديكم، فتمسَّكُوا به؛ فإنكم لن تضِلُّوا ولن تهلِكُوا بعدَه أبدًا».
مات عنَّا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يترُكنا همَلاً نقتَاتُ على موائِدِ اللِّئام، ونتسوَّلُ الأنظمةَ والدساتِير؛ بل بيَّن لنا منهَجَ الحياة، ومكمَنَ التمكين، ومصدرَ الفلاح، فقال: «لقد تركتُ فيكم ما لن تضِلُّوا بعدَه إن اعتصَمتُم به: كتابَ الله».

لقد يمَّمَ الشرقُ والغربُ وجهَهُ شطرَ مبادِئ وضعيَّة، وقيَمٍ ذابِلة، فعاشَت شقاءَ الحياة، وحياةَ النَّكَد. ويمَّمَت هذه البلادُ شطرَ البيت الحرام، تُوحِّدُ ربًّا، وتتلُو آياتِه، في مناهِجها وجامِعاتها ومحاكمِها.
يمَّمَ الشرقُ والغربُ شطرَ دُورِ الخَنَا والغِنا، يبنُون ويُشيِّدُون. ويمَّمَت هذه البلادُ شطرَ المسجِدَين المُبارَكَين، تُحيِي بهما الذكرَى المُبين، وترفعُ بهما رايةَ الإسلام العظيم، مع توسِعةٍ شامِلةٍ، وإنفاقٍ لا حدَّ له، وبَذلٍ لا نهايةَ له؛ خدمةً للحاجِّ والمُعتمِرِ والزائِر، وعمَّرَت المساجِدَ بالدروس العلمية، وحلقَات تحفيظِ القُرآن.

وهذا أساسُ العِزِّ ودوامُه؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرشدَنا وآوانَا، أحمدُه – سبحانه – وأشكرُه على ما أسبغَ بهِ علينا وأولانَا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالِقُنا ورازِقُنا ومولانا، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه جعلَ الحقَّ قصدَنا وشفاعتُه مُبتغَانا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الذين رزَقَهم الله حبَّ رسولِه ورِضوانًا.

أما بعد:

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله.
ماتَ حاكمٌ وتسنَّمَ الأمرَ حاكمٌ، والأمرُ في وطنِنا ماسِكٌ وقائِم. نشدُو بقوَّته، وتشرئِبُّ الأعناقُ لتنمِيَته، وندعُو لزيادتِه. اللهم استُر عوراتِنا وآمِن روعاتِنا.

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) [البقرة: 126].
بالأمنِ تُحفَظُ النفوس، وتُصانُ الأعراضُ والأموال، وتقومُ الدعوةُ إلى الله، وتُقامُ الجُمَعُ والجماعات، والعالَمُ كلُّه يتطلَّعُ ليتفَيَّأَ ظِلالَ الأمن؛ فقد زادَت بُؤَرُ الصِّراع، ومواطِنُ القلاقِل، واضطرَبَت النفوسُ، واحتارَت العقول. وإذا سيطرَ الخوفُ على الفرد شُلَّت حركتُه، وتعطَّل نشاطُه، وفسَدَت حياتُه، وتحطَّمَت أركانُه.

والأمنُ الفاعلُ الذي يتحقَّقُ به أمنُ الدنيا والآخرة، هو الأمنُ بمفهومِه الشامِل الذي يتضمَّنُ تأمينَ حِمَى الدين من أن يُستباح، وتحصينَ العقيدة من الزَّيغ والشُّبُهات، وتحقيقَ الأمن الفِكريِّ لشبابِ الأمة من التطرُّف والغُلُوِّ وتياراتِ التغريبِ، وتأمينَ فُرَص العمل، وتقليصَ البَطالَة، وأمنَ العقول من السُّقوط في براثِن الشُّبُهات ومزالِق الشهوات.

قال الله تعالى: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 81، 82].

ولا غرْوَ أن يستتِبَّ الأمرُ لهذه البلاد المُبارَكة؛ فهي بشعيرَة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر فريدة. هذه الشَّعيرة شريانُ الأمن النابِض، يقوَى بقوَّتها، ويضعُفُ بالتساهُل بها.

ولا يشكُّ عاقلٌ أن أمرَ الدين والدنيا لا يستقيمُ إلا في وُجود الأمن؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «فوالذي نفسِي بيدِه؛ ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى تخرُجَ الضَّعينةُ من الحِيرة حتى تطُوفَ بالبَيت في غير جِوارِ أحد».

اللهم إنا نسألُك الأمنَ والاستِقرارَ في بلادِنا، اللهم أدِمِ الأمنَ والاستِقرار في بلادِنا، وعُمَّ بالخيرِ والأمنِ بلادَ المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم من أرادنا وأراد بلادَنا وبلادَ المسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.
اللهم احفَظ خادمَ الحرمَين الشريفَين وليَّ أمرنا سلمانَ بن عبد العزيز، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق نائِبَيه لما تحبُّ وترضَى يا سميع الدعاء، ووفِّق أُمراءَه ووزراءَه وأعوانَه لخدمة أمَّتهم ودينهم ووطنِهم ورعيَّتهم، وهيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا يا سميع الدعاء.
اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفاف والغِنَى، اللهم إنا نسألُك رِضوانَك والجنة، ونعوذُ بك من سخَطِك ومن النار.

اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين للعملِ بكتابِك وتحكيمِ شرعِك يا أراحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبتين، لك أوَّاهين مُنيبين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حوبتَنا، وثبِّت حُجَّتنا، وسدِّد ألسِنَتنا، واسلُل سخيمةَ قلوبِنا.
اللهم إنا نسألُك رِضوانَك والجنة، ونعوذُ بك من سخَطِك ومن النار.
اللهم ابسُط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألُك فواتِحَ الخير وخواتِمَه وجوامِعَه، وأولَه وآخرَه، ونسألُك الدرجات العُلَى من الجنة يا رب العالمين.
اللهم ارحَم موتانا، وفرِّج همومَنا، ونفِّس كروبَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.

اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحم الراحمين.
وأقِم الصلاةَ؛ إن الصلاةَ تنهَى عن الفَحشَاءِ والمُنكَر، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.

الباري تعلن افلاسها

الباري تعلن افلاسها
الباري تعلن افلاسها

مش متاكد من الخبر …
الباري اعلت افلسها…
https://www.alpari.co.uk/client-updat…t-announcement

خبر الله يستر ,, شركة الباري شكلها افلست ؟

خبر الله يستر ,, شركة الباري شكلها افلست ؟

السلام عليكم …

الله يستر ,, شركة الباري شكلها افلست ؟

تم اغلاق جميع الصفقات على منصة التداول وتعليق النظام !!

والدعم لا يرد على اي اتصال ؟؟؟

استفسار هل تم تعويض احد من عملاء شركة الباري Alpari؟ او ارجاع رأس ماله كاملا؟

خطبة الحرم النبوي 26 / 7 / 1445هـ الشيخ عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي 26 / 7 / 1436هـ (مظاهر نصرة المسلمين) الشيخ عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي 26 / 7 / 1445هـ (مظاهر نصرة المسلمين) الشيخ عبدالباري الثبيتي

بسم الله الرحمن الرحيم

مظاهر نصرة المسلمين

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "مظاهر نصرة المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن نصرة المسلمين ووجوبها؛ لما يجب أن يكون عليه المسلمون من التلاحُم والتراحُم والتعاطُف، مُبيِّنًا مظاهر هذه النُّصرة وأماراتها، والوسائل التي من خلالها ينصُر المسلمون بعضهم بعضًا.

https://www.youtube.com/watch?v=_wU6eo166K0

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي منَّ علينا بالخيرات، ودعا إلى التعاوُن والنُّصرة، أحمدُه – سبحانه – وأشكرُه في الرَّوحة والغُدوة، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقَنا ورزَقَنا وجعلَنا خيرَ أمة، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أزكَى نبيٍّ وأفضل قُدوة، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه خير أُسوة.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلومًا"، فقال رجلٌ: يا رسول الله! أنصُره إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصُره؟ قال: "تحجُزُه أو تمنَعه من الظُّلم؛ فإن ذلك نصرُه".

النُّصرةُ علامةُ الإيمان، وأمارةُ صدقِ الإسلام؛ فعن النُّعمان بن بشير – رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفِهم مثَلُ الجسَد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسهَر والحُمَّى".
وقال: "المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا" – وشبَّك بين أصابعِه .-

وإذا نصرَت الأمةُ المظلوم، وأخذَت على يدِ الظالِم، ومنعَته من الظُّلم، نجَت من عقاب الله؛ قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

ومن نصرَ المظلُومَ نصرَه الله، وسخَّر له من ينصُره في الدنيا والآخرة؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "من نصرَ أخاه بظهر الغيبِ نصرَه الله في الدنيا والآخرة".

النُّصرةُ تحالُفٌ إسلاميٌّ، وتعاضُدٌ إيمانيٌّ، وهي قوةٌ للمُسلمين، وعزَّةٌ للمؤمنين، تُوقِظُ الهِمَم من سُبات، وتجمعُ المُسلمين في صفٍّ واحدٍ، وعلى قضيَّةٍ واحدةٍ، وهمٍّ واحدٍ، مع الكرامة والتضحِية، (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].

النُّصرةُ فريضةٌ شرعيَّة، وضرورةٌ دنيويَّة؛ فقد غدَا العُدوانُ على الإسلام والكيدُ له سِمةَ العصر، في صُورٍ مُتعدِّدة، ومظاهِر مُتنوِّعة.

قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ الأُمم أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلَةُ إلى قصعَتها". فقال قائلٌ: ومن قِلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاء السَّيل، ولينزعِنَّ الله من صُدور عدوِّكم المهابَة منكم، وليقذِفنَّ الله في قلوبِكم الوهن". فقال قائلٌ: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت".

وإذا ضعُفَت النُّصرةُ بين المُسلمين تسلَّط العدُوُّ، وزادَ من بطشِه، وتمادَى في غيِّه، ونكَّل بالمُسلمين، وسحَقَ الآمِنين، وأذلَّ المُوحِّدين، وسلَبَ الأرض، وانتهَكَ العِرض.

وإن الفسادَ الكبير، والفتنةَ المُشتعِلة في بُلدان المُسلمين أساسُها التفريطُ في مبدأ النُّصرة، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].

جاء النهيُ عن خِذلان المُسلم والتنصُّل عن نُصرته ومُوالاته، يقولُ رسولُنا الكريمُ – صلى الله عليه وسلم -: "المُسلمُ أخو المُسلم، لا يظلِمُه ولا يخذُلُه".

وقال: "شهِدتُ مع عمومَتي حِلفَ المُطيَّبين، فما أحبُّ أن لي حُمرَ النَّعَم وإني أنكُثُه". وفيه إشارةٌ إلى "حِلف الفُضول" لنُصرة المظلُوم.

ومن تقاعَسَ عن مدِّ يدِ النُّصرة لمظلُومٍ ذلَّ في دُنياه، وخسِر أُخراه، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "ما من مُسلمٍ يخذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضعٍ تُنتهَكُ فيه حُرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرضِه، إلا خذَلَه الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه، وما من امرِئٍ ينصُرُ مُسلمًا في موضِعٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصَرَه الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه".

وقد ابتُلِيَت الأمةُ بأشباهِ رِجالٍ، يتحالَفُ أحدُهم مع عدوِّ أمَّته، ويُشهِرُ سيفَ الغدر على بني جِلدَته، ويزرعُ الفتنة، ويُمكِّنُ للانقِلاب والفوضَى، طمعًا في منصِبٍ رئاسيٍّ، يُعلِّق أوسِمةَ الخِزيِ والعار، ولو على جماجِم الأبرِياء، وأشلاء الأطفال.

وكيف يأمَنُ الناسُ من خدعَ شعبَه، وخانَ وطنَه، واستنصَرَ أولياءَ الباطل على قومِه وجيرانه؟!

وآخرُ يطحَنُ شعبَه، ويقتُلُ ويُدمِّر أهلَه بالقنابِل الحارِقة، والبرامِيل المُتفجِّرة، والغازات السامَّة، في سُورية الصبر والإباء.

وقِطاعُ غزَّة الذي يئِنُّ من حِصارٍ ظالِمٍ، ومكرٍ فاجِر، وبلغَ الظُّلم مُنتهاه بمنع سائر مُقوِّمات الحياة، من طعامٍ، وشرابٍ، ودواء.

تأتي الأحداثُ امتِحانًا للنفوس، وتمحيصًا للصفوف؛ ليعلَمَ اللهُ من ينصُر المظلُوم ويردَعُ الظالِم، ومن يتمسَّك بالحقِّ في وجهِ الباطل، قال الله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25].

الولايةُ مع المُستضعَفين قائمة، والنُّصرة لهم واجبة، والمُسلمون في كل بِقاع الأرض هم جُزءٌ من جسَد الأمة الكبير، بحُكم أُخُوَّة الإسلام، فلهم حقُّ المُعاونة والمُعاضَدة.

من النُّصرة: الاهتمامُ بحالهم، ودعمُهم بعناصر القوة، ووسائل المنَعَة؛ لتقوية الضعيف، وحفظِ الدين والعِرض والنفسِ والأرض، ومُواساتُهم بالبذل والإنفاق، وإعانة الملهُوف، وإعادة الأمل.

وكان الصحابيُّ الجليلُ عُثمان – رضي الله عنه – مثالاً يُحتَذَى، وقُدوةً في نُصرة المُسلمين بمالِه. جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بألف دينار، فطرحَها في حِجره، وحفَرَ للمؤمنين "بئر رومة"، عندما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "من يحفِر بئر رومة فله الجنة". وجهَّز جيشَ العُسرة.

كانت زوجُ النبي – صلى الله عليه وسلم – خديجةُ – رضي الله عنها – تُسلِّي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتنصُرُه، وتبذُلُ دونَه مالَها.
ومن النُّصرة: ألا يكون المُسلمُ عونًا لظالمٍ على أخيه المسلم، قال الله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113].

من النُّصرة: مُقاطعةُ بضاعة العدوِّ، ومن يُموِّل العدوَّ ويدعمُه معنويًّا وفِكريًّا ويتآمرُ معه، وهي سلاحٌ فعَّال ومُؤثِّر بضوابِطه الشرعيَّة، وتُلقِّن العدوَّ درسًا، وبه تبقَى الأمةُ شامخةً في وجه من أراد بها سوءًا.

تكون النُّصرة للعقيدة: ببيان أصالتها ومفاهيمها، وردِّ الشُّبهة عنها، وبيان البِدع، ومنهج الفِرق المُختلِفة، والتي وجدَ العدوُّ فيها ضالَّته فتحالَفَ معها، وزرعَها في خاصِرة الأمة، يُحرِّكها كيفما شاء لزعزعَة الأمن، وإثارة القلاقِل، وابتِزاز الأمة ونهب خيراتها، وإنهاك قُوها؛ لتبقَى في مُؤخرة الرَّكب مقُودةً لا قائِدةً، وتابِعةً لا متبُوعة.

وتكون النُّصرةُ بالإعلام، والكلُّ يرى ويسمَع كيف يُمارِسُ الإعلام الحاقِد طمسًا للحقائق، وتشويهًا للدين، وغمطًا لحقوق المُسلمين، حتى ألحَقَ كلَّ سُلوكٍ مُنحرِفٍ بالمُسلمين. صوَّر المُسلمين قتلَةً ومصَّاصِي دماء، والمُدافِع عن أرضِه وكرامتِه إرهابيٌّ، وجعلَ القتَلَة والمُجرمين حمائِم سلام، والمُعتدِيَ المُحتلَّ ح**َ مُقاومةً ومُمانَعة.

النُّصرةُ الإعلامية بتوثيق ظُلم الظالِم، والتشهير بأفعاله، وبيان حقيقته، وزَيف باطله. وأثرُ البيان في بعضِ المواقِف أشدُّ وأنكَى من فِعلِ السِّنان؛ فللكلمة قوَّتُها، وللصورةِ أثرُها، وللقلم سِهامُه، وللشعر حُضورُه.

تقولُ عائشةُ – رضي الله عنها -: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لحسَّان – رضي الله عنه -: "إن رُوحَ القُدس لا يزالُ يُؤيِّدُك ما نافَحتَ عن الله ورسولِه".

النُّصرةُ لقضايا الأمة بالتوعية بها، والدفاع عنها، وفضحِ دسائِس رُؤوس الشرِّ ومُؤامراتهم، وبيان منهَجهم في كل وسيلةٍ ومحفَلٍ ومُناسَبَة، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55].

والنُّصرةُ – عباد الله – بالدعاء؛ فهو سلاحُ الخُطوب، ودواءُ الكُروب، كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ينصُرُ المظلُومين بالدعاء في القُنوت.

فالالتِجاءُ إلى الله وقتَ المِحَن، وتقويةُ الصِّلة به عند الشدائِد سِمةُ المُؤمن، قال الله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر: 9- 12].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وليُّ المتقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

النُّصرةُ الفاعلة التي يتحقَّقُ بها الأثر، وتنكشِفُ بها الغُمَّة هي النُّصرةُ الدائِمة المُستمرَّة، التي لا ينقطِع حبلُها، ولا يتوقَّفُ مدَدُها، حتى لا نُؤتَى من قِبَلنا بحماسٍ لا يدوم، ووهنٍ يعُوقُ بلوغَ الأهداف، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أدوَمُها وإن قلَّ".

وقد ينجَحُ أهلُ الباطل للتجمُّع في مُعسكَرٍ واحدٍ، وهذا في الظاهر، أما في الحقيقة: فهو تجمُّع قائمٌ على اختلاف المصالِح، وهم مُتفرِّقو الأهواء والقلوب، وسينكشِفُ الشِّقاق، ويسقُط السِّتارُ الخادِع، ثم ينهارُ باطِلُهم، ويتفكَّكُ جمعُهم، (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14].

وفي آخر الزمان: ينصُر الحجرُ والشجرُ المُسلمين قائلاً: "يا مُسلم! يا عبد الله! هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقتُله".

وكلامُ الحجر والشجر من أشراط الساعة، قال الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

ألا وصلُّوا – عباد الله – على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداء الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المُسلمين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.

اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفَظ المسلمين في اليمن، واحفَظ المسلمين في العراق، واحفَظ المسلمين في سوريا، واحفَظ المسلمين في فلسطين، واحفَظ المسلمين في كل مكان.

اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، وحُفاةٌ فاحمِلهم، وعُراةٌ فاكسُهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك يا رب العالمين، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين، اللهم وحِّد صفوفَهم، واجمع كلمتَهم، وسدِّد رميَهم، وانصُرهم يا رب العالمين، إنك قويٌّ شديدُ العقاب.

اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِي السحاب، هازِم الأحزاب، اهزِم أعداءَك أعداءَ الدين، وانصُر المسلمين عليهم يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.

اللهم إنا نسألُك فواتِح الخير وخواتِمه وجوامِعه، وأوله وآخره، وظاهِره وباطِنه، ونسألُك الدرجات العُلى من الجنة يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطِك.

اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبتين، لك أوَّاهين مُنيبين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حوبتَنا، وثبِّت حُجَّتنا، واسلُل سخيمةَ قلوبِنا.

اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وتولَّ أمرنا يا أرحم الراحمين.

اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم ابسُط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورِزقِك، اللهم ابسُط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورِزقِك.

اللهم بارِك لنا في أموالنا وأولادنا وذريَّاتنا وأزواجنا وأموالنا وصحَّتنا، واجعَلنا مُبارَكين أينما كنَّا يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامَنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق نائِبَيه لما تحبُّ وترضَى يا رب العالمين.

اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين للعملِ بكتابِك وتحكيمِ شرعِك يا رب العالمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكُروا الله يذكُركم، واشكُروه على نعمه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.

مبنى النظرية الهرمية في معرفة الأصل الأولي في تعامل الباري مع البرية

مبنى النظرية الهرمية في معرفة الأصل الأولي في تعامل الباري مع البرية (5)

اعداد ـ هلال اللواتي: تأثير الرؤية العرضية الأفقية على النظرة إلى “الرسول”: إن الحكم على “الرسول” بما تفرزه “النظرة القياسية” سيحمل معه جميع أحكام الإنسان الاعتيادي، وسيفرغه على هذا “الممثل الإلهي” الرسمي، وسيسبغ عليه ثوبها، ولكن .. هل ستكون النظرة الوصفية كفيلة لإزالتها؟!. الجواب: كلا؛ لأنها ستظل غير قادرة على مفارقة النظرة القياسية عن هذه …

العشر الأواخر وعيد الفطر/خطبتي الجمعة 231445بالمسجد النبوي/الشيخ عبدالباري الثبيتي

العشر الأواخر وعيد الفطر/خطبتي الجمعة 23-9-1436بالمسجد النبوي/الشيخ عبدالباري الثبيتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*************************
العشر الأواخر وعيد الفطر
خطبتي الجمعة 23 رمضان 1445هـ | 10-7-2015 من المسجد النبوي
لفضيلة الشيخ د.عبدالباري بن عواض الثبيتي – حفظه الله –
إمام وخطيب المسجد النبوي
***********************
ألقى فضيلة الشيخ د.عبدالباري بن عواض الثبيتي – حفظه الله – خطبتي الجمعة بعنوان: "العشر الأواخر وعيد الفطر"، حيث تحدَّث عن العشر الأواخر من شهر رمضان، وما خصَّنا الله فيها من الخيرات والبركات والأعمال الصالحات، وحضَّ على اغتنامها والعمل فيها ابتغاءَ وجه الله تعالى، طلبًا لمرضاته، وخوفًا من عقابِه، كما بيَّن آداب وأحكام عيد الفطر في سطورٍ.

التحميل
رابط صوت MP3

خليجية

خطبة الحرم النبوي 15 / 5 / 1445هـ الشيخ عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي 15 / 5 / 1436هـ (الشباب عدة الأمل) الشيخ عبدالباري الثبيتي

خطبة الحرم النبوي 15 / 5 / 1445هـ (الشباب عدة الأمل) الشيخ عبدالباري الثبيتي

بسم الله الرحمن الرحيم

الشباب عدة الأمل

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "الشباب عدة الأمل"، والتي تحدَّث فيها عن الشباب والعناية بتنشِئته التنشئة الصالحة، مُبيِّنًا فضلَ الشباب ومدى تأثيره في نفسِه ومُجتمعه وأمَّته إن استُغلِّت قُدراته الاستِغلالَ الأمثَل، مُوجِّهًا نصائِحَه للآباء بالاهتمام بأبنائِهم وتربيتهم تربية صالِحة، كما أرشدَ الشبابَ إلى السُّبُل المشروعة لإفراغ طاقاتهم فيما ينفعهم وينفعُ أمَّتهم.

https://www.youtube.com/watch?v=b13OUXvH_CI

الخطبة الأولى

الحمدُ لله، الحمد لله ربي لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ وإليه متاب، أحمدُه – سبحانه – وشكرُه على نعمةِ الصحةِ والشباب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا مُعقِّب لحُكمه وهو سريعُ الحِساب، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه نهَى عن الفُسوق والسِّباب، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه أُولِي النُّهى والألباب.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

الشبابُ عهدُ الحيوية، وعصرُ العطاء، ولذَّةُ العبادة.

سجَّل التاريخُ مواقِفَ خالِدةً لثُلَّةٍ من الشباب الذين عرَفُوا ربَّهم، واستمسَكُوا بدينِهم، فخلَّد القرآنُ ذِكرَهم؛ قال الله – عز وجل – عن إبراهيم – عليه السلام -: قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء: 60]، وقال عن أصحابِ الكهف: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [الكهف: 13، 14].

الشبابُ عُدَّة الأمل، وأملُ المُستقبل، ولهم مكانةٌ في الإسلام. ومن السبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: «وشابٌّ نشَأَ في عبادةِ الله».

الشبابُ إشعاعٌ مُؤثِّرٌ على المُجتمع، وعزمٌ وقوَّة، ونشاطٌ وفُتُوَّة. تقتَضِي هذه الصفات أن يقودَ الشابُّ حياتَه قيادةً شخصيَّةً حكيمةً، تضبِطُ النفسَ وتكبَحُ جِماحَها، وتُوجِّهُها إلى الخير والفلاح، وترسُمُ لها أهدافًا طَمُوحة، ترتقِي بها في سُلَّم المجد، وتجعلُ لها دورًا في الحياة ورسالةً على الأرض.

وإذا اضمحَلَّ الهدفُ في حياة الشابِّ، غدَت حياتُه تافِهة، واهتماماتُه ناقِصة، وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 64].

الوقتُ أغلَى ما يملِكُه الشابُّ في حياتِه، وفيه يغرِسُ آمالَه، ويُحقِّقُ أهدافَه بعلمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، وعبادةٍ وطاعة، وثقافةٍ مُفيدة، وفي مشارِيع مُثمِرة، وإنتاجٍ مُزهِر، وأعمالٍ تُقوِّمُ سُلوكَه، وترتقِي بحياتِه، وحِرَفٍ تُطوِّرُ مهارتَه، ومِهَنٍ يبنِي بها مُستقبَلَه.

وإذا خلا الوقتُ من الأهداف العُليا، تسلَّلَت الأفكارُ الطائِشة، وانشغَلَ بالتفاهات والتفكير في الأمور الساقِطة، وقَوِيَت دواعِي الانحِراف. فالفراغُ أرضٌ خصبةٌ لبذر اللَّوثات والضلالات.
قال الإمام الشافعيُّ – رحمه الله -: “والنفسُ إن لم تشغَلها بالحقِّ شغلَتْك بالباطِل”.

ومن الخُطورة: إضاعةُ الوقت في التنقُّل عبرَ صفحات مواقِع التواصُل الاجتماعيِّ، التي تضُرُّ بالعقيدة، وتُؤثِّرُ على السلوك، وتهُزُّ الأخلاق، وتُضعِفُ روابِطَ العلاقاتِ الأُسريَّة، وتُفضِي إلى عُزلةٍ اجتماعيَّة. وآثارُ ذلك واضِحةٌ لا تخفَى.

الشبابُ يُواجِهُ مكرًا من أعداء الملَّة بعرضِ الشهوات المُحرَّمة، وإغراء الغرائِز لطمسِ هويَّته، وإهدارِ مُستقبَله، وتدمير شبابِه، والقَذفِ به في مراتِع الحيرَة والضَّياع، وصرفِه عن الاهتمام بأهدافِه العُليا، وقضايا مُجتمعِه وأمَّته، والنجاةُ في تربيةِ النفس بالقرآن، وتغذِيَة القلبِ بالإيمان، والسَّير في رِكابِ الصالِحين، وإشباعِ الرَّغبَات بطرائِقَ مشروعةٍ تُحقِّقُ له السعادةَ والكرامةَ.

الزواجُ للشابِّ حاجةٌ فِطريَّة، وراحةٌ نفسيَّة، وحَصانةٌ خُلُقيَّة.
قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من استطاعَ الباءَةَ فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصَنُ للفَرْج، ومن لم يستطِع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
وتأخيرُ الزواج مع القُدرة له أضرارُه الخُلُقيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة.
قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتاكُم من ترضَون خُلُقَه ودينَه فزوِّجُوه، إلا تفعَلوا تكُن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض».

الشبابُ يحتاجُ إلى أن يُوازِنَ بين العقل والعاطِفة في حياتِه؛ فمرحلةُ الشباب تُؤجِّجُها مشاعِرُ وعواطِفُ فيَّاضة، قد تُؤثِّر على مُستقبَله، إذا لم تُخضَع لنور القرآن، وتحكيم العقل.

والعاطِفةُ الجيَّاشة غيرُ الواعِية قد تقودُ إلى إفراطٍ أو تفريط، وانحِرافٍ أو غُلُوٍّ، وتُعالَجُ مشاعِرُ الحبِّ لدى الشباب بالإشباع العاطفيِّ داخل الأُسرة، وإحاطَتهم بالدِّفءِ والأمان، مع تربية النفس على العِفَّة وغضِّ البصر، والحياة من الله تعالى.

عن جرير بن عبد الله قال: سألتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عن نظرةِ الفُجاءة، فأمرَني أن أصرِفَ بصري.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «يا عليٌّ! لا تُتبِع النظرةَ النظرة؛ فإن لك الأولى وليسَت لك الآخرة».
ومن مُقوِّمات الشباب في بناء شخصيَّةٍ قويَّة: تواصُلُه مع أُسرته؛ فهي حِصنُه وملاذُه، والحِضنُ الذي يُوفِّرُ استِقرارَ النفس والسَّكينة والطُّمأنينة وراحةَ البال.

الأُسرةُ مكمَنُ النُّصح والتوجيهِ والتغذِيَةِ الإيمانيَّة، وتعزيزِ الشخصيَّة، وغيابُها أو تهميشُها، وضعفُ علاقة الآباء بالأبناء ينقُلُ الشبابَ إلى محاضِنَ مجهولة، وتيَّاراتٍ تعصِفُ بعقولِهم قد تهوِي بهم في أوديةٍ سَحيقة.

الوعظُ والإرشاد في حياةِ الشباب غِذاءُ رُوحه، وسعادةُ قلبِه. والقرآنُ أكَّد عليها لأهميتها في بناءِ شخصيَّته، وتأمين سَيره في دُنياه؛ ففي وصايا لُقمان لابنِه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، وقال:
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 16، 17].

عملُ الشابِّ بالسعيِ في مناكِبِ الأرض عِزٌّ لشخصِه، وكرامةٌ لأُسرتِه. وهذا أطيَبُ الكَسب.
سُئِل رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الكسب أطيَب؟ قال: «كَسبُ الرجل بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرور».
وجعلَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – جمعَ الحطَبِ وبيعَه خيرٌ للمرء من أن يسألَ الناسَ أعطَوه أو منَعُوه.
يقولُ عُمرُ – رضي الله عنه -: “أرى الفتَى فيُعجِبُني، فإذا قيل: لا حِرفةَ له، سقطَ من عيني”. ويقول: “لا يقعُدنَّ أحدُكم عن طلَب الرِّزق وهو يقول: اللهم ارزُقني! فقد علِمتُم أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضَّة”.

والشابُّ الطَّمُوحُ يهجُرُ البَطالَة، ويُقبِلُ على العمل أيًّا كان نوعُه،دون احتِقارٍ لمهنةٍ مُعيَّنة، او عملٍ مُحدَّد. والمُجتمعُ بكل فِئاتِه مُطالَبٌ بتيسير سُبُل العمل المُلائِم، وطرائِقَ الكَسب؛ لنجعل من الشابِّ عُنصرًا نافعًا لنفسِه ومُجتمع وأمَّته.

وينبغي للشابِّ في حِلِّه وتَرحالِه، وسفَره وإقامتِه أن يفخَرَ بدينِه، ويعتزَّ بهويَّته، ويستعلِي بعقيدتِه، ولا يستحيِي من إظهارها، ويتجاوَزَ عُقدةَ النقص والتقليد والاتباع؛ قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].

الهُدوءُ في شخصيَّة الشابِّ سَجِيَّةٌ محمودة، وطبيعةٌ مقدُورة، وقوَّةٌ تُنبئُ عن عقلٍ راجِح. أما الحِدَّةُ في التعامُل، والانفِعالُ في السلوك، والانتِقامُ بلا وعيٍ، فمظاهرُ خطيرة، ونزَغَاتُ شيطان، تُهدِّدُ آثارُها الشباب، وتهدِرُ طاقاتهم، وقد تكونُ وبالاً على المُجتمع كلِّه.

وعلى الشابِّ في مرحلَة الفُتُوَّة والحيويَّة أن يعتبِرَ بسُنَّة الحياة، وتغيُّر الأحوال، وتصرُّم الأيام. فيأخُذ من شبابِه لهرَمِه، ومن صحَّته لسَقَمه، وألا يغترَّ بحالِه؛ فالشبابُ يعقُبُه الهرَم، والقوةُ مآلُها الضعف، والصحةُ يُهدِّدُها المرض؛ قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه وليُّ المتقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد:

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله؛ قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: 282].
والشابُّ المُسلمُ يمتلِئُ قلبُه بحبِّ الله وحبِّ رسولِه – صلى الله عليه وسلم -، ولو غاصَ في شيءٍ من المعصِية فإن قلبَه يتحرَّكُ بالخوفِ من الله والنَّدَم على الذنبِ؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتَت في قلبِه نُكتةٌ سوداء، فإذا هو نزَعَ واستغفَرَ وتابَ صُقِل قلبُه، وإن عادَ زِيدَ فيها حتى تعلُو قلبَه، وهو الرَّانُ الذي ذكرَ الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14]».

بعضُ الشباب يُدرِكُ خطأَه، ويعلمُ حُرمةَ ما يقعُ فيه، لكنَّه يُؤجِّلُ التوبة، ويُسوِّفُ، والتسويفُ – بمعنى: سوف أرجع، سوف أتوبُ – أكبرُ مُعوِّقٍ للتوبة، و(سوف) جُندٌ من جنود إبليس.
وتمادِي بعض الشباب في الذنوبِ خطرٌ عظيمٌ، وشرٌّ مُستطير، والعاقِلُ يَحذَرُ مغبَّة المعاصِي؛ فإن نارَها تحت الرَّماد.

وربَّما تأخَّرَت العقوبة، وربما جاءَت مُستعجَلة؛ قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليُملِي للظالِمِ حتى إذا أخذَه لم يُفلِته»، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].

وقال – صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتَ الله يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيه ما يُحبُّ، فإنما هو استِدراجٌ»، ثم تلا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44].

ألا وصلُّوا – عباد الله – على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ الكرام، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.
اللهم إنا نسألُك فواتِحَ الخير وخواتِمَه وجوامِعَه، وأولَه وآخرَه، ونسألُك الدرجات العُلَى من الجنة يا رب العالمين.

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفافَ والغِنى، اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبتين، لك أوَّاهين مُنيبين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حوبتَنا، وثبِّت حُجَّتنا، وسدِّد ألسِنَتنا، واسلُل سخيمةَ قلوبِنا.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نِقمتِك، وجميع سَخَطِك.
اللهم ابسُط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورِزقِك، اللهم بارِك لنا في أعمارنا، وبارِك لنا في أزواجنا، وأولادنا، وذُرِّيَّاتنا، وأعمالنا، وأعمارنا، واجعَلنا مُبارَكين أينما كُنَّا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرُّشد، والغنيمةَ من كل برٍّ، والسلامة من كل إثمٍ، والفوزَ بالجنة، والنجاةَ من النار.
اللهم انصُر من نصرَ الدين، واخذُل اللهم من خذَلَ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابَكَ وسُنَّة نبيِّك وعبادكَ المُؤمنين.

اللهم كُن للمسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين، وكُن للمسلمين في الشام يا أرحم الراحمين، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا يا رب العالمين.
اللهم إلهَ الحقِّ، اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِيَ السحاب، هازِمَ الأحزاب، اهزِم أعداءَك أعداءَ الدين، وانصُر المسلمين عليهم يا رب العالمين، اللهم يا قويُّ يا عزيزُ انصُر الإسلامَ وأهلَه في كل مكانٍ.

اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وفرِّج هُمومَنا، وفُكَّ أسرانا، وتولَّ أمرَنا يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّق إمامنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضى، وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضَى إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين للعملِ بكتابِك، وتحكيمِ شرعِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم سُقيا رحمةٍ لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهم تُحيِي به البلاد، وتُغيثُ به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد برحمتِك يا أرحم الراحمين.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.

عبد الباري عطوان لهذه الأسباب طرد الأردن السفير السوري

عبد الباري عطوان لهذه الأسباب طرد الأردن السفير السوري

الوكيل – كتب الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان مساء الاثنين، مقالاً تحدث فيه عن توقيت طرد السفير السوري من الأردن وهو العنصر الأكثر إثارة للجدل في القرار.ويرى عطوان في مقاله إن قرار طرد السفير بهجت سليمان يتزامن مع مناورات الأسد المتأهب السنوية، وإعلانات المعارضة عن قرب تدفق الأسلحة لها، والحديث عن 'تسخين' الجبهة السورية الجنوبية من جهة الأردن ورفض 'أصدقاء سوريا' – ومنهم الأردن – لانتخابات الرئاسة السورية، فضلاً عن تلميح هذه المنظومة لإحباط الانتخابات ولو بتدخل عسكري.وفيما يلي نص المقال الذي كتبه عطوان بموقع 'رأي اليوم' الذي يملكه:لا نعرف من طفح كيله اولا قبل الآخر، سورية ام الاردن، نسأل هذا السؤال ونحن نتابع التصعيد المفاجيء الدائر حاليا بين الطرفين وانعكس على شكل تبادل طرد السفراء بين البلدين بطريقة تنبيء بخطوات اكبر في المستقبل القريب، وتكشف عن احتقان وصل فيما يبدو درجة الانفجار.السفير السوري في عمان بهجت سلمان لم يتوقف مطلقا عن انتقاد بعض السياسات الاردنية بصوت عال جدا، والقيام بزيارات الى شخصيات اردنية، او دعوتها الى اجتماعات على العشاء في بيته الذي تحول الى شبه مدونة يومي او اسبوعي يلتقي في صالوناته المؤيدين لنظرية 'المؤامرة” التي تتعرض لها سورية، ويرون فيها حربا لتمزيق البلاد جغرافيا وديمغرافيا واسقاط النظام القائم، ويعلنون دعمهم بكل قوة للنظام في مواجهتها، ويجاهرون علنا في الوقوف في خندقه.لا يخامرنا ادنى شك بان السفير سليمان خرج عن الاعراف الدبلوماسية المتبعة بتعرضه بشكل علني لسياسات الدولة المضيفة نقدا وهجوما وتهديدا، ولكن اسمحوا لنا ان نكون كمحامي الشيطان، ونقول ان الاردن يتدخل ايضا، وبطرق اكثر قسوة في الشؤون الداخلية السورية سواء من خلال تسهيل دخول المقاتلين او الاسلحة، او من خلال فتح قواعده العسكرية لتدريب قوات المعارضة السورية وباشراف امريكي.فليس من قبيل الصدفة ان يأتي طرد السفير السوري من عمان، وامهاله 24 ساعة فقد للمغادرة، متزامنا مع بدء مناورات 'الاسد المتأهب” العسكرية التي تجري حاليا قرب الحدود السورية الجنوبية وتستمر حتى الثامن من الشهر المقبل، وتشارك فيها قوات من 19 دولة ابرزها امريكا وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، واستراليا، والعراق، وبلجيكا، وبروناي، والامارات، وجمهورية التشيك، وفرنسا، وبريطانيا، وايطاليا، وكندا، وكازاخستان، والكويت ولبنان ومصر، والنرويج، وباكستان وبولندا، وفيلق من قوات التدخل السريع التابعة لحلف الناتو، ونسأل بعيدا عن البراءة: لمن 'يتأهب” هذا الاسد.لا نعتقد انه يتأهب لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي المحتلة، ولا نعتقد ان هذه المناورات لها علاقة بايران التي وقعت معها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، المشاركة في هذه المناورات، اتفاقا نوويا ادى الى تخفيف الحصار عنها، اي ايران، وفك التجميد المفروض على ملياراتها في البنوك الغربية.توقيت اتخاذ عملية الطرد هذه ينطوي على معان خطيرة جدا لا يستطيع المرء تجاهلها بسهولة ويمكن ايجازها في النقاط التالية قبل استخلاص النتائج المتوقعة:*اولا: اعلن السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض يوم الاحد ان تدفق الاسلحة الامريكية والعربية النوعية الى الفصائل المسلحة التي تقاتل لاسقاط النظام في سورية سيبدأ في غضون ثلاثة اسابيع وبهدف تغيير الموازين في ميادين القتال لصالح المعارضة.*ثانيا: تتزايد التوقعات حول قرب 'تسخين” الجبهة الجنوبية السورية المحاذية للاردن وتفعيلها بحيث تكون منطلقا وارضية للهجوم على دمشق (تبعد درعا حوالي مئة كيلومتر عن العاصمة السورية)، وتشير تقارير اخبارية الى احتمالات مشاركة قوية للاردن في عملية التسخين هذه لوجستيا على الاقل.*ثالثا: اعلان الائتلاف الوطني السوري على لسان عضوه السيد احمد جقل ظهر اليوم عن تسمية رجل الاعمال السوري الشاب محمد مروح ممثلا له في الاردن ليحل محل السفير المطرود السيد سليمان، ولا نعتقد ان هذا التعيين جاء من قبيل الصدفة، وانما مخطط له منذ فترة طويلة وبالتنسيق مع السلطات الاردنية، وفي اطار خطة بدأت في واشنطن ولندن وباريس، والاخيرة فتحت سفارة للائتلاف فيها.*رابعا: معارضة منظومة 'اصدقاء سورية” الشديدة للانتخابات الرئاسية السورية، واعتبارها 'مهزلة” وقتلا للحل السياسي وقرارات مؤتمر جنيف، واعادة تأكيدها مجددا على عدم شرعية النظام السوري الحالي، ورفض اي دور له في مستقبل سورية وتلميحها الى احتمال التدخل العسكري لاحباطها، والاردن كان مشاركا في الاجتماع الاخير الذي انعقد قبل اسبوع في لندن، والعاهل الاردني عبد الله الثاني زار العاصمة البريطانية في الفترة نفسها، والتقى مسؤولين بريطانيين وكان الملف السوري محور المناقشات.نعترف بان الاردن صبر كثيرا على بعض التجاوزات 'الاعلامية السياسية” سواء من قبل السفير او وسائل الاعلام السورية المرئية والمكتوبة، ووجه تحذيرات للسفير سليمان اكثر من مرة بسبب اقدامه على ممارسات صنفها مسؤولون اردنيون في خانة 'الاستفزاز″ ولكن التصعيد ربما لا يكون في اعتقادنا من مصلحة الاردن الذي عمل دائما على التهدئة، وكظم الغيظ، وعدم الانجرار بالتالي الى معارك سياسية او دبلوماسية، وربما لا نبالغ اذا قلنا ان اي تصعيد من جانبه (الاردن) قد لا يكون في صالحه.نشرح اكثر ونقول ان النظام السوري كان دائما مصدر تهديد امني للاردن، ولذلك لجأت القيادة الاردنية على مر العقود الماضية لاخذ هذا التهديد بمجمل الجد، وعمدت دائما الى معالجة التوتر في العلاقات بالصبر والحكمة وتطويقه في اسرع وقت ممكن.اذكر مرة انني كنت على موعد مع العاهل الاردني الملك حسين بن طلال (رحمه الله) في الديوان الملكي في اوائل التسعينات، وكان يدخن بشراهة، ووجهه مليء بعلامات الغضب، فسألته بتردد شديد عن اسباب غضبه، وكان معي الزميل بسام بدارين، فقال تصور يا اخي كنت قبل وصولك على اتصال مع الرئيس السوري حافظ الاسد للاطمئنان والتواصل، وترطيب الاجواء، واكتشفت في حينها انه كان مجتمعا مع الرئيس حسني مبارك ولم يقل لي مطلقا انه اي الرئيس مبارك يجلس بجانبه ويرسل لي سلامه وتحياته مثلما تجري العادة بين الزعماء، واضاف العاهل الاردني لا افهم هذا التصرف، ولكني مضطر لمسايرتهم لتجنب اذاهم.صحيح ان النظام السوري يمر بظروف صعبة قد يفسرها البعض بانها وضعته في حالة ضعف، فهو يحارب على كل الجبهات تقريبا، ويخوض معارك دموية طاحنة مع اكثر من الف فصيل معارض تحظى بدعم قوى اقليمية وعالمية عظمى، تنفق المليارات من الدولارات نقدا او لتمويل صفقات تسليحها ولكن الصحيح ايضا ان النمر الجريح يكون اكثر خطورة من النمر الصحيح المعافى، وليس هناك لدى النظام السوري الكثير مما يمكن ان يخسره في ظل حالته هذه.هناك اكثر من مليون لاجيء سوري في الاردن والحدود مفتوحة على مصراعيها بين البلدين، وصفقات الاسلحة، والمقاتلين، تقطع هذه الحدود في الاتجاهين، والاردن اعلن اكثر من مرة عن ضبط شحنات اسلحة، كما قصف اكثر من مرة قوافل مهربين ومقاتلين.من الصعب التفريق بين من هو مؤيد للنظام السوري ومن هو معارض له، واي الخلايا نائمة وايها صاحية، والعاهل الاردني قال لمحرر هذه الصحيفة ان هناك اكثر من 17 جهازا امنيا سريا في سورية لا تنسق بل ولا تعرف عن بعضها البعض.راس مال الاردن الحقيقي هو امنه واستقراره في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش في ظلها حاليا، وربما يكون من الحكمة الاستمرار في نهج التهدئة وتجنب التصعيد اذا كان ذلك ممكنا ومتاحا، وعدم التجاوب مع التحريض على توتير الاجواء وقطع العلاقات مع الجار السوري من قبل بعض العرب.ندرك دائما ان الاردن ليس دولة عظمى، وانه محكوم بظروف داخلية وخارجية صعبة، يضطر في احيان كثيرة لمراعاتها، والتجاوب مع الضغوط المترتبة عليها، ولكننا ندرك ايضا ان الاندفاع غير المدروس مع هذا التجاوب قد يؤدي الى تبعات خطيرة، بل خطيرة جدا عندما يتعلق الامر بالتورط بطريقة اعمق في المستنقع الدموي السوري الحالي وفي وقت تتغير فيه موازين القوى لصالح النظام وحلفائه.

خبر شركة الباري uk

خبر شركة الباري uk

الاخوة الاعضاء الكرام
احد عنده اخبار عن الشركة ( الباري ) بريطانيا وعن ارجاع اموال العملاء بعد خسارتها
علما بان المراقب المالي اعلن بانه سيرسل رابط للمطالبة على ايميلات العملاء بتاريخ 5 مارس وحتى تاريخة لم اتلقى اي ايميل منهم
من عنده معلومات او اخبار لايبخل علينا
وفقكم الله