الفضيلة هي الاجمل دوما

الفضيلة هي الاجمل دوما

خليجية
خليجية

الكتابة عن «الجمال» محاولة عبثية لأن «الجمال» أجمل من أن يفسر، والعيش في ثقافة «الجمال» هو الأصل لأن الإنسان مشروع جمالي بالفطرة، وتذوق «الجمال» بالنسبة لنا هو حاجة تصل للضرورة، وليس متعة تصل إلى الترف، والذي حُرم من تذوق «الجمال» هو معاق لأنه فقد احدى حواسه التي تمكنه من رؤية «الجمال» والإحساس به.
حتى تكون أوقاتنا أبهج يجب أن نضبط ساعتنا على توقيت «الجمال»، ولحظة الجمال ليست صورة عين لأن «الجمال» يدرك بكل حواسنا الخارجية والداخلية، فالأنف والأذن والروح كالعين في عشق الجميل والتلذذ به، والحياة بطولها هي منجم ضخم لاكتشاف لحظات جمال.
تذوق «الجمال» سمو ورقي وعبادة لأن الله جميل يحب الجمال، ومالك بن نبي يرى أن «الجمال» هو وطن البشرية، ويقول في ذلك: (الجمال هو وجه الوطن في العالم فلنحفظ جمالنا كي نحفظ كرامتنا).
إعادة ترتيب المكونات من حولنا قد تصنع واقعاً جميلاً، ولن نصل إلى ذلك ما لم نتقن فن «التأمل»، ولذلك يقول جبران خليل جبران: (إن الجمال نصيب المتأملين)، وتأمل الجمال يعظم إذا كان بروح طفل وعقل كهل، وفي معادلة الجمال ابتعد عن أرقام التشاؤم، فالمتشائمون لا يدركون «الجمال»، والمتفائلون مهيئون لمتعته، ومصطفى السباعي كان يقول: (إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود لرأيت الجمال شائعاً في كل ذراته).
«الحب» ريشة جمال في لوحة العين، وهو يصبغ الأشياء التي يقع عليها بالجمال، والذين تغزلوا بالصحراء القاحلة والأحجار الصامتة هم محبون عشقوا بيئتهم فكانت في أعينهم جميلة، ومن العبارات الجميلة في ذلك ما كتبه أنيس منصور: (فرق كبير بين أن تحبها لأنها جميلة، وأن تكون جميلة لأنك تحبها).
المحتفون بالجمال هم أناس جميلون، وقمة «الجمال» أن تقدم الجمال، وعمود «الجمال» أن تحتفي بالجمال، وقاع «الجمال» أن تتجاهله، وقمة «القبح» أن تفسد على المستمتعين بالجمال حفلة جمالهم.
في النفس مكامن للجمال نقب عنها، وإذا تفجرت في داخلك منابع الجمال ستسيح أنهره إلى خارجك فالجمال الداخلي ينعكس على الجمال الخارجي، وصدق الناس الذين يرددون بيت إيليا أبوماضي: (كن جميلاً تر الوجود جميلاً)، وهذا سيجعلنا نعيش قصصا شعورية مرهفة مع الجمال الكوني، وتأمل في كلام أحلام مستغانمي حين قالت: (إذا صادف الإنسان شيء جميل مفرط في الجمال رغب في البكاء).
الأدب له ميزة لأنه يرفع من ذائقتنا في تذوق الجمال، ويعيد أعيننا وأرواحنا للتذوق الجمالي، والطنطاوي قال عن الفنون: (الفن غايته الجمال ووسيلته الشعور وأدواته الذوق)، والفنون البسيطة التي نمارسها تساعدنا في ذلك كثيراً، وبرامج التصوير في الانستقرام وأشباهه أنا سعيد بها -رغم أني لم أشترك بها خشية من أن أفقد عالمي الخاص- لأنها ترفع من حاسية التذوق للجمال والبحث عنه.
للجمال أبواب أخرى غير تلك التي حصرنا مفاتيحنا عليها، وتذكر أن «الجمال» قد لا يكون فاضلاً دائماً ولكن الفضيلة جميلة دائماً.

«الفضيلة» العراقي يعلن حصوله على 10 مقاعد في البرلمان

«الفضيلة» العراقي يعلن حصوله على 10 مقاعد في البرلمان

أعلن حزب الفضيلة الإسلامي اليوم الأحد، حصوله على 10 مقاعد في البرلمان المقبل، مشيرا إلى اجتماع سيعقد هذا اليوم، يبحث خلاله إعادة إحياء التحالف وتشكيل الحكومة.وقال رئيس كتلة "الفضيلة" في مجلس النواب عمار طعمة لوكالة "الأناضول" :"من خلال شبكة مراقبينا ومتابعتنا للأقراص المدمجة للمفوضية فإننا

الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة . الفضيلة السادسة من فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين ـ

الجلوس في المسجد وانتظار الصلاةالفضيلة السادسة من فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين ـ
اخبار قطر الدوحة المقهى القطري

الباب الثاني
فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين
الفصل السادس :
الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة

يقول الله تبارك وتعالي : " وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " ( ) علمنا أن هذه الآية تبين أن الله سبحانه وتعالي لم يفترض علي العباد بعد توحيده ، والتصديق برسله ، وما جاء من عنده فريضة آكد من الصلاة .
ولقد علمنا في الفصول السابقة أن الله سبحانه وتعالي قد أكثر من ذكر الصلاة في كتابه الكريم ، وعظم شأنها ، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة . وأن السنة النبوية المشرفة قد بينت فضل صلاة الجماعة فى أحاديث كثيرة منها حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة " ( ) وقد انفزدت رواية ابْنِ عُمَرَ بأنها تفضل : " ًبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " ( )
وقد مر بنا أن بعض الشارحين أحصى سبعا وعشرين فضيلة لصلاة الجماعة ، سبق لنا فى الفصول السابقة إلقاء الضوء على بعض منها ، بدأًًًًًًً بالفضيلة الأولى وهى ترديد الأذان خلف المؤذن ، ثم ثنينا بـ" التَّهْجِير" أَيْ التَّبْكِير بالذهاب إلى المسـجد ثم الثالثة وهى المشى إلى المسجد بالسـكينة والوقار ، ثم رابعتها وهى دخول المسجد داعيا ، ثم صلاة التحية كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، واليوم بفضل الله تعالى مع السادسة من الفضائل السبع والعشرين لصلاة الجماعة ، ألا وهى : الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه .
وقد رغب الشرع الحنيف في الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه فعن سهل الساعدي قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : " من كان في مسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة " ( )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ :" أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاط " ( ) كرره مَرَّتَيْنِ ، وَفِي الْمُوَطَّأ ثَلَاث مَرَّات " فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط "
وَانْتِظَارُ الصَّلاة بَعْدَ الصَّلاةِ : أَيْ ينتظر وَقْتِهَا أَوْ جَمَاعَتِهَا ، يَعْنِي إِذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدًا ، ثُمَّ يَنْتَظِرُ صَلاةً أُخْرَى وَيُعَلِّقُ فِكْرَهُ بِهَا ، بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي بَيْتِهِ يَنْتَظِرُهَا ، أَوْ يَكُونُ فِي شُغْلِهِ وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِهَا. ( )
وعلى ذلك فـ " َانْتِظَار الصَّلاة بَعْد الصَّلاة " يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد ، وَالثَّانِي تَعَلُّق الْقَلَب بِالصَّلاةِ وَالاهْتِمَام بِهَا ، وَالتَّأَهُّب لَهَا. ( )
وقد رتب الشرع الحنيف علي الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه ، رتب على ذلك أجورا عظيمة :
ففى الحديث الأول جعل منتظر الصلاة كأنه فى صلاة دائمة ، فيجرى له أجر الصلاة ، كما روى ابو هريرة : " … لا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ " أي في ثواب صلاة لا في حكمها ، لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة، وذلك "مَا دَامَتْ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ لا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلا الصَّلاةُ "( ) فإذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور ، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر ، وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه ؟ بمعنى أنه رجل قلبه معلق في المساجد ، ولكن لم يتواجد فيه ؟ الظاهر خلافه ، لأنه رتب الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة ، لكن للمذكور ثواب يخصه ، لتعلق قلبه بالمساجد. ( )
قلت : ويترتب على ذلك أيضا أَنَّهُ يَنْبَغِي لمن قَعَدَ يَنْتَظِر الصَّلاة أن يعتمد مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اِعْتِمَادُهُ ، وَاجْتِنَابُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اِجْتِنَابُهُ ، لقَوْله صلي الله عليه وسلم : " … فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ " فيُسْتَحَبّ له أَنْ لا يَعْبَث بِيَدِهِ ، وَلا يَتَكَلَّم بِقَبِيحٍ ، وَلا يَنْظُر نَظَرًا قَبِيحًا ، ولا يرفع صوته بما لا يليق ، ولا يصخب ، وَيَجْتَنِب مَا أَمْكَنَهُ مِمَّا يَجْتَنِبهُ الْمُصَلِّي ؛ لكونه فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي.
وفى الحديث الثانى جعل انتظار الصلاة من الأعمال التى " يَمْحُو اللَّهُ بِها الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِها الدَّرَجَاتِ " . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : ( مَحْو الْخَطَايَا ) كِنَايَة عَنْ غُفْرَانهَا ، قَالَ : وَيَحْتَمِل مَحَوْهَا مِنْ كِتَاب الْحَفَظَة وَيَكُون دَلِيلا عَلَى غُفْرَانهَا ، ( وَرَفْع الدَّرَجَات ) إِعْلاء الْمَنَازِل فِي الْجَنَّة. ( )
كما شبه منتظر الصلاة بالمرابط ، فقال : " فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاط كرره مَرَّتَيْنِ ، وَفِي الْمُوَطَّأ ثَلاث مَرَّات " فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط " أَيْ الْمَذْكُور فِي قَوْله  :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا " وَحَقِيقَته رَبْط النَّفْس وَالْجِسْم . ( ) وَالأَصْلُ ــ بِكَسْرِ الرَّاءِ ــ مُلازَمَة ثَغْر الْعَدُوّ لِمَنْعِهِ وَهَذِهِ الأَعْمَال ــ ومنها " َانْتِظَار الصَّلاة بَعْد الصَّلاة " ــ تَسُدّ طُرُق الشَّيْطَان عَنْهُ وَتَمْنَع النَّفْس عَنْ الشَّهَوَات ، تَرْبِطُ صَاحِبَهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَتَكُفُّهُ عَنْ الْمَحَارِمِ ، وَعَدَاوَة النَّفْس وَالشَّيْطَان لا تَخْفَى ، ولهذا قال الْقَاضِي : إِنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ ــ ومن جملتها " َانْتِظَار الصَّلاة بَعْد الصَّلاة " ــ هِيَ الْمُرَابَطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لأَنَّهَا تَسُدُّ طُرُقَ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّفْسِ ، وَتَقْهَرُ الْهَوَى وَتَمْنَعُهَا مِنْ قَبُولِ الْوَسَاوِسِ ، فَيَغْلِبُ بِهَا حِزْبُ اللَّهِ جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ. فَلِذَلِكَ قَالَ الرِّبَاط بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّكْرَار ، وَحِكْمَةُ تَكْرَارِهَا لِلاهْتِمَامِ بِهَا ــ أى الاهتمام بانتظار الصلاة ــ وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ : فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ أَيْ الرِّبَاطُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُتَيَسِّرُ الْمُمْكِنُ ، أَيْ إِنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَاطِ اِنْتَهَى ( )
فعلى المسلم أن يعض على هذا النوع من الرباط بالنواجذ ، بعد أن حرم المسلمون من الرباط الحقيقى ، عسى أن نحصل أجره ، فإن أجر الرباط عظيم يستحق أن يبذل من أجله الغالى والنفيس ؛ فعن سلمان قال سمعت رسول الله  يقول : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان " ( )
هَذِهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِلْمُرَابِطِ ، وَجَرَيَان عَمَله بَعْد مَوْته فَضِيلَة مُخْتَصَّة بِهِ ، لا يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد ، وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي غَيْر مُسْلِم ( ) : " كُلّ مَيِّت يُخْتَم عَلَى عَمَله" الْمُرَاد بِهِ طَيّ صَحِيفَته وَأَنْ لا يَكْتُب لَهُ بَعْد مَوْته عَمَل " إِلا الْمُرَابِط فَإِنَّهُ يُنَمَّى لَهُ عَمَله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة "
وقَوْله صلي الله عليه وسلم : ( وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقه ) مُوَافِق لِقَوْلِه تبارك وتعالي فِي الشُّهَدَاء : " أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ " ( ) ( وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّان الْقَبْر ) : أَيْ فَتَّانِيهِ وَهُمَا مُنْكَر وَنَكِير ، قَالَ الْعَلْقَمِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لا يَجِيئَانِ إِلَيْهِ وَلا يَخْتَبِرَانِهِ بَلْ يَكْفِي مَوْته مُرَابِطًا فِي سَبِيل اللَّه شَاهِدًا عَلَى صِحَّة إِيمَانه . وَيَحْتَمِل أَنَّهُمَا يَجِيئَانِ إِلَيْهِ لَكِنْ لا يَضُرَّانِهِ وَلا يَحْصُل بِسَبَبِ مَجِيئِهِمَا فِتْنَة . ( )
ومن بركات انتظار الصلاة ، ارتباطها بساعة الإجابة يوم الجمعة ، روى الإمام مالك فى الموطأ ، فى فضل يوم الجمعة ، عن أبى هريرة مرفوعا : " … وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ . فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ . فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم … قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ … فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتَ لَهُ : أَخْبِرْنِي بِهَا وَلا تَضَنَّ عَلَيَّ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي " وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لا يُصَلَّى فِيهَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ؟ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : بَلَى . قَالَ : فَهُوَ ذَلِكَ. ( )
والشاهد من الحديث أن ساعة الإجابة تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، لا يُصَادِفهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي : أَيْ لا يُوَافِقهَا وَهُوَ يُصَلِّي حَقِيقَة أَوْ حُكْمًا بِالانْتِظَار ، وتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لا يُصَلَّى فِيهَا ، إلا أن مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حُكْمًا ، حَتَّى يُصَلِّي حَقِيقَة ، وهذا من بركات انتظار الصلاة بعد الصلاة.
وَقَوْلُ كَعْبٍ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى أَنَّ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ مُوَافِقٌ لَهُ لا عَلَى مَعْنَى أَنَّ صِدْقَهُ إنَّمَا ظَهَرَ بِمُوَافَقَتِهِ مَا قَرَأَ مِنْ التَّوْرَاةِ ؛ لأَنَّ الَّذِي عِنْدَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَصَحُّ وَصِدْقُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ مَا قَرَأَ كَعْبٌ لَهُ ، بل وَفِي هَذَا مُعْجِزَة عَظِيمَة دَالَّة عَلَى كَمَالِ عِلْمه صلي الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ ، حَيْثُ أَخْبَرَ بِمَا خَفِيَ عَلَى أَعْلَم أَهْل الْكِتَاب .
وَقَوْلُهُ : ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ قَدْ عَلِمْت أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ، إظْهَارٌ لِعِلْمِهِ وَتَنْبِيهٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ .
وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلا تضنن عَلَيَّ ، بِمَعْنَى لا تَبْخَلْ عَلَيَّ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلا يَسْتَضِرُّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بَلْ يَنْتَفِعُ بِتَعْلِيمِهِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ذَلِكَ لأَنَّ فِطْرَةَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْبُخْلُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِعِلْمِهِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ . وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ سَاعَةٌ لا يُصَلَّى فِيهَا ؟ مُطَالَبَةً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ ، وَلِيُزِيلَ مِنْ نَفْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْتَرِضُ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى كَثْرَةِ بَحْثِهِمْ عَنْ مَعَانِي الأَلْفَاظِ وَتَحْقِيقِهِمْ فِيهَا وَصِحَّةِ مُنَاظَرَتِهِمْ عَلَيْهَا ، بِمَعْنَى اسْتِخْرَاجِ الْفَائِدَةِ لا للمراء والجدل ، فَفَزِعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى تَأْوِيلِ الظَّاهِرِ الَّذِي اعْتَرَضَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهِ ، وبَيَّنَ لَهُ وَجْهَهُ وَمُوَافَقَتَهُ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النبى صلي الله عليه وسلم وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْمُصَلِّي يَنْطَلِقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مُنْتَظِرِ الصَّلاةِ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ فِيهِ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ " ( )
وقد روى النسائي وغيره فى تحديد هذه الساعة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أن رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ : " يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْر" ( )
وروى مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ : "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ " ( )
فهذه الأحاديث يعارض بعضها بعضا فى الظاهر ، فبينما ينص بعضها على أنها وقت صلاة الجمعة ، يقول آخر إنها آخر ساعة من النهار بعد العصر ، ولهذا اختلفت أقوال العلماء فى تحديد وقت هذه الساعة ، وأحسن الأقوال بأنها أبهمت ، ليجتهد الناس فى الدعاء فى جميع الأوقات ، وذلك مثلما أبهمت ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان ليجتهد الناس فى العبادة فى الأيام العشر كلها ، وهذا هو ما ذهب إليه الإمام أَحْمَدُ حيث قَالَ : أَكْثَرُ الأَحَادِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ( ) ولهذا ينبغى الاجتهاد فى الدعاء فى الوقتين : وقت صلاة الجمعة ، وآخر ساعة من نهار الجمعة بعد العصر.

وصلي اللهم وسلم وبارك علي محمد
وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاة . الفضيلة السابعة من فضائل صلاة الجماعة السبع

صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاةالفضيلة السابعة من فضائل صلاة الجماعة السبع
اخبار قطر الدوحة المقهى القطري

ا

لباب الثاني
فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين
الفصل السابع :


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ وَقَالَ : أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " ( ) وَفِي سنن أبي داود أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " ( )
هذا الحديث بطرقه المختلفة يبين طرفا من فضائل صلاة الجماعة ، وقد علمنا من الخطب السابقة أن الله سبحانه وتعالي قد أكثر من ذكر الصلاة في كتابه الكريم ، وعظم شأنها ، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة .
وقد علمنا أيضا أن السنة النبوية المشرفة قد بينت فضل صلاة الجماعة فى أحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ ًبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " ( ) ومن هنا استطاع بعضُ الشارحين أن يحصى سبعا وعشرين فضيلة لصلاة الجماعة ، سبق لنا إلقاء الضوء على بعض منها ، بدأًًًًًًً بالفضيلة الأولى وهى ترديد الأذان خلف المؤذن ، ثم ثنينا بـالتَّهْجِيرأَيْ التَّبْكِير بالذهاب إلى المسـجد ثم الثالثة وهى المشى إلى المسجد بالسـكينة والوقار ، ثم رابعتها وهى دخول المسجد داعيا ، ثم صلاة التحية كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، وسادستها الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه ، واليوم بفضل الله سبحانه وتعالي مع السابعة من الفضائل السبع والعشرين لصلاة الجماعة ، ألا وهي : صلاة الملائكة واستغفارهم للذى ينتظر الصلاة بالمسجد ، والحديث الذى معنا يشهد لهذه الفضيلة السابعة .
فقَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " هذا هو الشاهد من الحديث لموضوعنا ، والمعني : لا تزال الملائكة تصلي ، أي تستغفر للمصلي ، ما دام في المسجد ، والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك . ( )
وقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " وقَوْله صلى الله عليه وسلم : أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " يعني أن المصلي مادام في مصلاه ينتظر الصلاة ، فهو لا يزال في صلاة ، حكما أخرويا يتعلق به الثواب ( ) ، بمعني أنه في ثواب صلاة لا في حكمها ؛ لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة ؛ وهذا يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وهو صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر ؛ لأنه رتب الثواب المذكورعلى المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة بقوله صلى الله عليه وسلم :" مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " ؛ فإن الأعمال بالنيات ، بل نية المؤمن خير من عمله في بعض الأحيان .
ويؤخذ من قَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " أنه إذا انصرف عن مصلاه انقضى ذلك ، وأن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى ، وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئة ، أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر، ولفظه صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة " وأيضا لفظ : " أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ " أثبت للمنتظر حكم المصلي ، فيمكن أن يحمل قوله : " فِي مُصَلَّاهُ " على المكان المعد للصلاة ، لا الموضع الخاص بالسجود ، فلا يكون بين الحديثين تخالف . ( )
يستفاد من هذا أن انتظار الصلاة بعد الصلاة ، والجلوس لذلك في المصلي .. في المسجد .. سـبب شرعي محقق لغفران الذنوب بإذن الله تعالي لمن يوفقه الله لذلك ، إذ من المعلوم أن دعاء الملائكة مجاب ، بدليل قوله سبحانه وتعالي : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنْ اِرْتَضَى " وقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " ( ) والحديث الذي معنا يثبت صلاة الملائكة في شأن من تحبسه الصلاة في مصلاه بقَوْله صلى الله عليه وسلم :" وَالْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ " أَيْ تدعو له بالخير وتستغفر له من ذنوبه ( ) وعبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل. ( )
فالملائكة تَقُول : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ " وكلهُ بيان لقوله صلى الله عليه وسلم : " تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ " أي تقول اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، قال الطيبي : طلب الرحمة بعد طلب المغفرة لأن صلاة الملائكة استغفار لهم ( ) ، والفرق بين المغفرة والرحمة أن المغفرة ستر الذنوب والرحمة إفاضة الإحسان إليه .( )
كما أن قَوْله صلى الله عليه وسلم : " وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " مطابق لقوله سبحانه وتعالي : " وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ " ( ) قيل : السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية أوالخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك ، لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك ــ أى تحفظ من الوقوع فى المعاصى ــ فإنه يعوض عن المغفرة بما يقابلها من الثواب ( )
والاستغفار فى الآية هنا عام لكل من فى الأرض ، لكن سورة غافر تبين أن استغفار الملائكة مخصص لعباده المؤمنين فقط ، إذ يقول سبحانه وتعالي : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " ( )
وقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ " يؤخذ منه أن صلاة الملائكة ودعاؤهم ، مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى فإِذَا اِنْصَرَفَ عَنْهُ اِنْقَضَى ذَلِكَ ، يؤيد ذلك الرواية عند أبى داود : " أَوْ يَقُوم " : أَيْ أن الملائكة تصلي على أحدكم ما لم يقم من مصلاه ، فإذا قام الرجل فلا يصلون ( )
وَقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِث " أي حدثا حقيقيا ، من الإحداث أي ما لم يُبطل أو ينقض وضوءه ، وظاهره عموم النقض لغير الاختياري أيضا ويحتمل الخصوص ( ) ؛ لما روي أن أبا هريرة لما روى هذا الحديث قال له رجل من حضرموت : وما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : فُساء أو ضـِراط ( ) ولعل سبب الاستفسار إطلاق الإحداث عندهم على غير ما ذكر أو ظنوا أن الإحداث بمعنى الابتداع وتشديد الدال خطأ ( ) فالمراد بالحدث حدث الفرج ، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى ، لأن الأذى منهما يكون أشد ، أشار إلى ذلك ابن بطال . وَلعل هذا مايؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ " ، على أن الثانية تفسير للأولى ؛ أَيْ ما لم يحدث منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول ( )
وَقَوْله صلى الله عليه وسلم : " مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ " يدل على أن الحدث يبطل صلاة الملائكة على أحدكم ولو استمر جالسا فِي مُصَلاهُ ؛ وأن الحدث فى المسجد خطيئة يُحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاؤهم المرجو بركته، ويدل على ذلك قول الرسول " الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا " ( ) ، فلما كان للنخامة كفارة قيل للمتنخم : تمادى فى المسجد فى صلاتك وابق فيه مدعوًا لك ، ولما لم يكن للحدث فى المسجد كفارة ترفع أذاه كما رفع الدفن أذى النخامة لم يتمادى الاستغفار له ولا الدعاء ، وجب زوال الملائكة عنه لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة . ( )
وفي الحديث بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أو تحول إلى غيره ، كذا في عمدة القاري .
ولكن علينا أن نلاحظ أن َقَوْله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في صدر الحديث : " إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ " يوحي بترتيب الأجر المذكور في الحديث على عدة امور :
أولها : إحسان الوضوء ، " إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ " الفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه ، وهو الإسباغ مع مراعاة الآداب بلا إسراف وزاد في رواية الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، وقال النووي : معنى إحسان الوضوء الإتيان به ثلاثا ثلاثا ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والإتيان بسننه المشهورة … وقال أيضا : ويستحب أن يضم إلى ذلك ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعا : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك . ( )
الثانية : ألا يخرجه من بيته إلا الصلاة ، والمراد إنه ما نوى بخروجه وذهابه للمسجد غيرها ، " أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ " من نهز بالزاي ، ومعناه لا يدفعه وينهضه ويحركه إلا الصلاة ، قال أهل اللغة : نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته ، ونهز رأسه أي حركها ، والجملة بيان للجملة التي قبلها وهي " لا يريد إلا الصلاة " أو حال من فاعل " أَتَى الْمَسْجِدَ " وفي هذا الحث على الإخلاص في الطاعات ، وأن تكون متمحضة لله تعالى . ( )
وقال ابن بطال : فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير تعب فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته لقوله سبحانه وتعالي : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنْ اِرْتَضَى " ( ) ، وقد أخبر عليه السلام أنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ، وتأمين الملائكة إنما هو مرة واحدة عند تأمين الإمام ، ودعاؤهم لمن قعد فى مصلاه دائمًا أبدًا ما دام قاعدًا فيه ، فهو أحرى بالإجابة ، فعلى كل مؤمن عاقل سمع هذه الفضائل الشريفة أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا تمر عنه صفحًا. ( )
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

إجابة الإقامة للصلاة الفضيلة التاسعة ن فضائل صلاة الجماعة الفصل التاسع من الباب الثاني

إجابة الإقامة للصلاة .. الفضيلة التاسعة ن فضائل صلاة الجماعة الفصل التاسع من الباب الثاني
اخبار قطر الدوحة المقهى القطري
إ

الباب الثاني
فضائل صلاة الجماعة السبع والعشرين
الفصل التاسع :
إجابة الإقامة


عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قال : قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة فلبثنا عنده نحوا من عشرين ليلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا فَقَالَ : " لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " ( )
هذا الحديث يبين طرفا من فضائل صلاة الجماعة ، والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :" فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " ، وقد علمنا من الفصول السابقة أن الله سبحانه وتعالي قد أكثر من ذكر الصلاة في كتابه الكريم ، وعظم شأنها ، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة .
وأن السنة النبوية المشرفة قد بينت فضل صلاة الجماعة فى العديد من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ ًبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " ( )
وهذه الدرجات والأجزاء التى تفضل بها صلاة الجماعة صلاة الفذ ، سبق لنا إلقاء الضوء على بعض منها ، بدأًًًًًًً بالفضيلة الأولى وهى " ترديد الأذان خلف المؤذن " ، ثم ثنينا بـ" التَّهْجِير" أَيْ التَّبْكِير بالذهاب إلى المسـجد ثم الثالثة وهى " المشى إلى المسجد بالسـكينة والوقار " ، ثم رابعتها وهى " الدعاء عند دخول المسجد " ، ثم " صلاة التحية " كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، وسادستها : " الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة فيه " ، والسابعة والثامنة " صلاة الملائكة واستغفارهم " و " شهادتهم للذى ينتظر الصلاة بالمسجد " .
والحديث الذى معنا :" … وَإِذَا حَضرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ …" يشهد للفضيلة التاسعة وهى : إجابة النداء إلى الصلاة ، فالذى يحضر صلاة الجماعة بالمسجد ، يسمع الأذان والإقامة ، ومن الطبيعى أنه لا يجيب الداعي إلا من سمع النداء ، فوفق للخيرات وأيقن … إن في قلب كل مؤمن داعياً يدعوه إلى رشده ، فالسعيد من سمع دعاء الداعي فاتبعه ( ) لقوله سبحانه وتعالي : " يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ " ( ) ولقوله سبحانه وتعالي : "… إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " ( )
الفرق بين الأذان والإقامة :
إقامة الصلاة وهى الدعوة إلى الصلاة ، وتسمي أيضا التثويب إلي الصلاة كما ورد بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ…" ( ) وعن معاذ بن أنس أيضا : " إذا سمعتم المؤذن يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول " ( )
فقوله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ " و " إذا سمعتم المؤذن يثوب بالصلاة " معناه إذا أقيمت ، سميت الإقامة تَثْوِيبًا ؛ لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان من قولهم : ثَابَ إِذَا رَجَعَ ( ) .
والفرق بين الإقامة وبين الأذان يبينه الحديث : " أنه كان يؤذن مثنى مثنى ويوتر الاقامة " ( ) وأيضا فإن : " الأذان تسع عشرة كلمة و الإقامة سبع عشرة كلمة " ( )
وتسـمي إقامة الصلاة أيضا أذان كما في قوله صلى الله عليه وسلم :" بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ … " ( ) أي بين كل أذان وإقامة وهذا من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر ، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ( )
ولا مانع من حمل قوله " أذانين " على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة ( ) أو يريد بها السنن الرواتب التي تصلى بين الأذان والإقامة ( )
وتطلق إقامة الصلاة أيضا على أدائها كما أداها المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في قوله سبحانه وتعالي : " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ." ( ) فقوله سبحانه وتعالي : " ويقيمون الصلاة " معطوف جملة على جملة ، ومعني إقامة الصلاة هنا أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها ، وإلى هذا المعنى أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله : من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.‏ ( )
ولكن المقصود هنا بإقامة الصلاة الإقامة المعروفة ، وهى الدعوة إليها والتي تأتي بعد الأذان .
وهذا الوقت من الأوقات التي يرجي فيها استجابة الدعاء ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ، و إقامة الصلاة ، ونزول الغيث " ( ) وقال صلى الله عليه وسلم : " لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ " ( ) : أي فادعوا كما في رواية ، وذلك لشرف الوقت . ( ) فطوبى لمن يحسن إجابة الدعوة .
حسن إجابة الدعوة
ولقد كان من هدي المصطفي صلى الله عليه وسلم في حسن إجابة الدعوة ما يلي :
أولا : القيام الي الصلاة بالسكينة والوقار إذا ثوب إليها :
بمعني أنه لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ …" ( ) وأيضا لما ورد فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : " إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ" وَ" لا تُسْرِعُوا" ( )
ثانيا : ومن حسن إجابة الدعوة ألا يخرج من المسجد بعد الأذان أو الإقامة إلا لعلة أو ضرورة :
وهذا يستفاد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" لا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي هَذَا ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ ، إِلا لِحَاجَةٍ ، ثُمَّ لا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلا مُنَافِقٌ". ( ) وعنه ايضا : " أنه رَأَى رَجُلا يَجْتَازُ الْمَسْجِدَ خَارِجًا بَعْدَ الأَذَانِ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " ( ) فهذا يدل على كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر ( ) وأن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة ، كالجنب والمحدث والراعف والحاقن ونحوهم ، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه ، ويدل علي ذلك خروج الرسول للإغتسال كما في الحديث التالي في الثالثة .
ثالثا : ومن حسن إجابة الدعوة أيضا انتظار الإمام إذا خرج من المسجد بعد الإقامة لحاجة ، وجواز ذلك :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ ( أي ذكر أنه جنب ) فَانْصَرَفَ وَقَالَ لَنَا مَكَانَكُمْ فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا " ( )
والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله صلى الله عليه وسلم : " مَكَانَكُمْ " فاستمروا على الهيئة – أي الكيفية – التي تركهم عليها ، وهي قيامهم في صفوفهم المعتدلة ، فيستفاد من ذلك أن الإمام إذا قال مكانكم حتى رجع انتظروه … والاكتفاء بالإقامة السابقة ( ) ولا يجددوا إقامة الصلاة ، وهذا محمول على قرب الزمان ، كما يقول الامام النووي : فإن طال فلا بد من إعادة الإقامة ، ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " مَكَانَكُمْ " وقول الراوي : " خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا " . ( )
( فائدة ) : يروى أنه قيل لأبي عبد الله – أي البخاري – إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا ؟ قال : نعم . قيل : فينتظرون الإمام قياما أو قعودا ؟ قال : إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا ، وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما . ( )
رابعا : ومن حسن إجابة الدعوة أيضا انتظار الإمام إذا عرض له عارض وعدم التبرم بالفصل بين الإقامة والصلاة :
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ " ( ) : أي منع الرجل النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول في الصلاة بسبب التكلم معه وكان الناس ينتظرونه ، ففي الحديث جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة ، أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه ، وفيه جواز الكلام لأجل أمر مهم من الأمور عند الإقامة . قال العيني : فيه دليل على أن اتصال الإقامة بالصلاة ليس من وكيد السنن وإنما هو من مستحباتها ، واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير.( )
متى يقوم الناس للصلاة :
فقد ذكرت كتب الفقه الكثير من التفاصيل فى ذلك إلا أن الحديث حجة على هؤلاء المفصلين ، ففي الصحيحين عن أبي قتادة عن أبيه واللفظ لمسلم قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي" ( )
فقوله : " إِذَا أُقِيمَتْ " أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة ، " فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي" وزاد إسحق في روايته حديث معمر وشيبان : " حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ " ؛ وفيه مع ذلك حذف تقديره : " فقوموا" ، أى : " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي خرجت إليكم فقوموا".
قال القرطبي : ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة عند مسلم : " أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم " . ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم .
قلت : ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب " أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة ، فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف " ؛ وأما حديث أبي هريرة : " أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم … " ولفظه في مستخرج أبي نعيم :" فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا " ولفظه عند مسلم : " أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام مقامه … " الحديث . وفي رواية أبي داود : " إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم " فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة ، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره .
وقال ابن حجر بعد أن استعرض تفاصيل تختلف مع حديث أبى قتادة : أن الحديث حجة عليهم ، وأنه ذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة ، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه ، وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك . ( )
وقال محمد شمس الحق العظيم أبادى أبو الطيب صاحب عون المعبود : معنى الحديث أن جماعة المصلين لا يقومون عند الإقامة إلا حين يرون أن الإمام قام للإمامة.( )
إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف
إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف ، فإنك تقطع الطواف وتصلي مع الإمام ، ثم تكمل الطواف من حيث انتهيت ، ولا يلزمك أن تعيد الطواف ولا أن تعيد الشوط الذي قطعته من أجل الصلاة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : إذا قطع الطواف لحاجة كمن طاف ثلاثة أشواط ثم أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يرجع فيبدأ من مكانه ولا يلزمه الرجوع إلى الحجر الأسود ، بل يبدأ من مكانه ويكمل ، خلافا لما قاله بعض أهل العلم أنه يبدأ من الحجر الأسود . والصواب لا يلزمه ذلك ، كما قال جماعة من أهل العلم ، وكذا لو حضر جنازة وصلى عليها ، أو أوقفه أحد يكلمه ، أو زحام ، أو ما أشبه ذلك ، فإنه يكمل طوافه ، ولا حرج عليه في ذلك اهـ ( )
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة أو طواف حج ، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي ، ثم يرجع ويكمل الطواف ، ولا يستأنفه من جديد ، ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل ، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد ، لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلا إلا بدليل شرعي اهـ ( ) . " يتبع"